responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 639
الِاعْتِدَاءِ دُونَ مُبَالَغَةٍ وَلَا أَوْهَامٍ، وَقَدْ يُطْلَقُ اسْمُ السَّاحِرِ الْيَوْمَ عَلَى اللَّاعِبِ بِالشَّعْوَذَةِ فِي الْأَسْمَارِ وَذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ اللَّهْوِ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّ ذَلِكَ جِنَايَةً.
وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ.
يَتَعَيَّنُ أَنَّ (مَا) مَوْصُولَةٌ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مُلْكِ سُلَيْمانَ أَي وَمَا تتلوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِمَا أُنْزِلَ ضَرْبٌ مِنَ السِّحْرِ لَكِنَّهُ سِحْرٌ يَشْتَمِلُ عَلَى كفر عَظِيم وَتعلم الْخُضُوعِ لِغَيْرِ اللَّهِ مَعَ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ وَمَعَ الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ كَمَا بَيَّنَاهُ آنِفًا فَيَكُونُ عَطْفًا على مَا تَتْلُوا الَّذِي هُوَ صَادِقٌ عَلَى السِّحْرِ فَعُطِفَ (مَا أُنْزِلَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ أَشَدُّ مِمَّا تَتْلُوهُ الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ كَانُوا يُعَلِّمُونَهُ النَّاسَ مَعَ السِّحْرِ الْمَوْضُوعِ مِنْهُمْ، فَالْعَطْفُ لِتَغَايُرِ الِاعْتِبَارِ أَوْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ أَصْلَ السِّحْرِ مُقْتَبَسٌ مِمَّا ظَهَرَ بِبَابِلَ فِي زَمَنِ هَذَيْنِ الْمُعَلِّمَيْنِ وَعَطْفُ شَيْءٍ عَلَى نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ تَغَايُرِ الْمَفْهُومِ وَالِاعْتِبَارِ وَارِدٌ فِي كَلَامِهِمْ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: (وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ النَّحْوِ) :
إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَا ... مِ وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ
وَقِيلَ: أُرِيدَ مِنَ السِّحْرِ أَخَفُّ مِمَّا وَضَعَتْهُ الشَّيَاطِينُ عَلَى عَهْدِ سُلَيْمَانَ لِأَنَّ غَايَةَ مَا وُصِفَ بِهِ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ بِبَابِلَ فِي زَمَنِ هَذَيْنِ الْمُعَلِّمَيْنِ أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَفِيهِ ضَعْفٌ.
وَالْقِرَاءَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ (الْمَلَكَيْنِ) بِفَتْحِ لَامِ الْمَلَكَيْنِ وَقَرَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبْزَى بِكَسْرِ اللَّامِ.
وَكُلُّ هَاتِهِ الْوُجُوهِ تَقْتَضِي ثُبُوتَ نُزُولِ شَيْءٍ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَعْنِيهِ سِيَاقُ الْآيَةِ إِذَا فَصَّلْتَ كَيْفِيَّةَ تَعْلِيمِ هَذَيْنِ الْمُعَلِّمَيْنِ عِلْمَ السِّحْرِ.
فَالْوَجْهُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَما أُنْزِلَ عُطِفَ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمانَ فَهُوَ مَعْمُول لتتلوا الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى تَكْذِبُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ عَدَمَ صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ أَيْ مَا تَكْذِبُهُ الشَّيَاطِينُ عَلَى مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ، أَيْ يَنْسُبُونَ بَعْضَ السِّحْرِ إِلَى مَا أُنْزِلَ بِبَابِلَ. قَالَ الْفَخْرُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِيُُ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 639
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست