responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 634
أَوْ مَرَضٍ أَوْ سَلَامَةٍ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا قُرِنَ بِاسْمِ الْمَسْحُورِ وَصُورَتِهِ أَوْ بِطَالِعِ مِيلَادِهِ، فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ التَّوَهُّمَاتِ وَلَيْسَ عَلَى تَأْثِيرِهَا دَلِيلٌ مِنَ الْعَقْلِ وَلَا مِنَ الطَّبْعِ وَلَا مَا يُثْبِتُهُ مِنَ الشَّرْعِ، وَقَدِ انْحَصَرَتْ أَدِلَّةُ إِثْبَاتِ الْحَقَائِقِ فِي هَذِهِ الْأَدِلَّةِ، وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّ الْفَخْرَ فِي «التَّفْسِيرِ» حَاوَلَ إِثْبَاتَهُ بِمَا لَيْسَ بِمُقْنِعٍ.
وَقَدْ تَمَسَّكَ جَمَاعَةٌ لِإِثْبَاتِ تَأْثِيرِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ السِّحْرِ بِمَا رُوِيَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» - عَنْ قَوْلِ عَائِشَةَ أَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ سَحَرَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرُؤْيَا النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَلَكَيْنِ أَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ السِّحْرِ، وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مِثْلَهُ مُخْتَصَرًا، وَيَنْبَغِي التَّثَبُّتُ فِي عِبَارَاتِهِ ثُمَّ فِي تَأْوِيلِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَبِيدًا حَاوَلَ أَنْ يَسْحَرَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ الْيَهُودُ سَحَرَةً فِي الْمَدِينَةِ وَأَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَ رَسُولَهُ عَلَى مَا فَعَلَهُ لَبِيدٌ لِتَكُونَ مُعْجِزَةً لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي إِبْطَالِ سِحْرِ لَبِيدٍ وَلِيَعْلَمَ الْيَهُودُ أَنَّهُ نَبِيءٌ لَا تَلْحَقُهُ أَضْرَارُهُمْ وَكَمَا لَمْ يُؤَثِّرْ سِحْرُ السَّحَرَةِ عَلَى مُوسَى كَذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ سِحْرُ لَبِيدٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا عَرَضَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَارِضٌ جَسَدِيٌّ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْهُ فَصَادَفَ أَنْ كَانَ مُقَارَنًا لِمَا عَمِلَهُ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ مِنْ مُحَاوَلَةِ سِحْرِهِ وَكَانَتْ رُؤْيَا النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْبَاءً من الله لما بِمَا صَنَعَ لَبِيدٌ، وَالْعِبَارَةُ عَنْ صُورَةِ تِلْكَ الرُّؤْيَا كَانَتْ مُجْمَلَةً فَإِنَّ الرَّأْيَ رُمُوزٌ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْخَبَرِ تَعْبِيرُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ أَصْلًا لِتَفْصِيلِ الْقِصَّةِ.
ثُمَّ إِنَّ لِتَأْثِيرِ هَاتِهِ الْأَسْبَابِ أَوِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ شُرُوطًا وَأَحْوَالًا بَعْضُهَا فِي ذَاتِ السَّاحِرِ وَبَعْضُهَا فِي ذَاتِ الْمَسْحُورِ، فَيَلْزَمُ فِي السَّاحِرِ أَنْ يَكُونَ مُفْرِطَ الذَّكَاءِ مُنْقَطِعًا لِتَجْدِيدِ الْمُحَاوَلَاتِ السِّحْرِيَّةِ جَسُورًا قَوِيَّ الْإِرَادَةِ كَتُومًا لِلسِّرِّ قَلِيلَ الِاضْطِرَابِ لِلْحَوَادِثِ سَالِمَ الْبِنْيَةِ مُرْتَاضَ الْفِكْرِ خَفِيَّ الْكَيْدِ وَالْحِيلَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ غَالِبُ السَّحَرَةِ رِجَالًا وَلَكِنْ كَانَ
الْحَبَشَةُ يَجْعَلُونَ السَّوَاحِرَ نِسَاءً وَكَذَلِكَ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْفُرْسِ وَالْعَرَبِ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق: 4] فَجَاءَ بِجَمْعِ الْإِنَاثِ وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَقُولُ إِنَّ الْغِيلَانَ عَجَائِزُ مِنَ الْجِنِّ سَاحِرَاتٌ فَلِذَلِكَ تَسْتَطِيعُ التَّشَكُّلَ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَكَانَ مُعَلِّمُو السِّحْرِ يَمْتَحِنُونَ صَلَاحِيَةَ تَلَامِذَتِهِمْ لِهَذَا الْعِلْمِ بِتَعْرِيضِهِمْ لِلْمَخَاوِفِ وَأَمْرِهِمْ بِارْتِكَابِ الْمَشَاقِّ تَجْرِبَةً لِمِقْدَارِ عَزَائِمِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ.
وَأَمَّا مَا يَلْزَمُ فِي الْمَسْحُورِ فَخَوْرُ الْعَقْلِ، وَضعف الْعَزِيمَة، ولطاقة الْبِنْيَةِ، وَجَهَالَةُ الْعَقْلِ،

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 634
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست