responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 594
بِأَن الله لما أَمَرَهُمْ بِإِقَامَةِ التَّوْرَاةِ وَتَفْسِيرِهَا وَالتَّفْرِيعِ مِنْهَا فَقَدْ جَعَلَ لَهُمْ تَصَرُّفًا شَرْعِيًّا
وَبِذَلِكَ كَانُوا زَائِدِينَ عَلَى مُطْلَقِ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالتَّشْرِيعِ لَا تَأْصِيلًا وَلَا تَفْرِيعًا.
وَقَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْفَخْرُ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الرُّسُلُ جَاءُوا بِشَرْعٍ جَدِيدٍ وَلَوْ مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الشَّرْعِ الْأَوَّلِ أَوْ تَجْدِيدِ مَا انْدَرَسَ مِنْهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قُلْنَاهُ قَالَ تَعَالَى:
وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات: 123] وَقَالَ: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
[الصافات:
139] وَمَا كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا مِثْلَهُمْ فِي أَنَّهُ مَا أَتَى بِأَحْكَامٍ جَدِيدَةٍ إِلَّا شَيْئًا قَلِيلًا وَخَصَّ عِيسَى بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَ مُوسَى زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ عَلَى الْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِهِ وَيُكَذِّبُونَهُ وَلِذَلِكَ أَيْضًا خَصَّهُ بِقَوْلِهِ: وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلِأَنَّ مَنْ جَاءَ بَعْدَ مُوسَى مِنَ الرُّسُلِ لَمْ يُخْبِرُوا أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَهُمْ بِوَحْيٍ وَعِيسَى كَانَ أَوْسَعَ مِنْهُمْ فِي الرِّسَالَةِ.
وَعِيسَى اسْمٌ مُعَرَّبٌ مِنْ يَشُوعَ أَوْ يَسُوعَ وَهُوَ اسْمُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَلَبُوهُ فِي تَعْرِيبِهِ قَلْبًا مَكَانِيًّا لِيَجْرِيَ عَلَى وَزْنٍ خَفِيفٍ كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ ثِقَلِ الْعُجْمَةِ وَثِقَلِ تَرْتِيبِ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ فَإِنَّ حَرْفَيْ عِلَّةٍ فِي الْكَلِمَةِ وَشِينًا وَالْخَتْمَ بِحَرْفِ حَلْقٍ لَا يُجْرِي هَذَا التَّنْظِيمَ عَلَى طَبِيعَةِ تَرْتِيبِ الْحُرُوفِ مَعَ التَّنَفُّسِ عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا فَقَدَّمُوا الْعَيْنَ لِأَنَّهَا حَلْقِيَّةٌ فَهِيَ مَبْدَأُ النُّطْقِ ثُمَّ حَرَّكُوا حُرُوفَهُ بِحَرَكَاتٍ مُتَنَاسِبَةٍ وَجَعَلُوا شِينَهُ الْمُعْجَمَةَ الثَّقِيلَةَ سِينَا مُهْمَلَةً فَلِلَّهِ فَصَاحَةُ الْعَرَبِيَّةِ.
وَمَعْنَى يَشُوعُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ السَّيِّدُ أَوِ الْمُبَارَكُ.
وَمَرْيَمُ هِيَ أُمُّ عِيسَى وَهَذَا اسْمُهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ نُقِلَ لِلْعَرَبِيَّةِ عَلَى حَالِهِ لِخِفَّتِهِ وَلَا مَعْنَى لِمَرْيَمَ فِي الْعَرَبِيَّةِ غَيْرَ الْعَلَمِيَّةِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ الْمُتَنَصِّرَةَ عَامَلُوهُ مُعَامَلَةَ الصِّفَةِ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ عَنْ مُشَاهَدَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّ هَاتِهِ الصِّفَةَ اشْتُهِرَتْ بِهَا مَرْيَمُ إِذْ هِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ عِبْرَانِيَّةٍ خَدَمَتْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَلِذَلِكَ يَقُولُونَ امْرَأَةٌ مَرْيَمٌ أَيْ مُعْرِضَةٌ عَنْ صِفَاتِ النِّسَاءِ كَمَا يَقُولُونَ رَجُلٌ حَاتِمٌ بِمَعْنَى جَوَادٌ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْهُمْ فِي الْأَعْلَامِ الْمُشْتَهِرَةِ بِالْأَوْصَافِ وَلِذَلِكَ قَالَ رُؤْبَةُ:
قُلْتُ لِزِيرٍ لَمْ تَزِرْهُ مَرْيَمَهْ [1] فَلَيْسَ هُوَ مُشْتَقًّا مَنْ رَامَ يَرِيمُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَزْنُهَا فَعْيِلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ
وَإِنْ كَانَ نَادِرًا [2] .

[1] قَالَ فِي «الْكَشَّاف» وزن مَرْيَم عِنْد النَّحْوِيين مفعل لِأَن فعيل بِفَتْح الْفَاء لم يثبت أَي وَثَبت فعيل بِكَسْر الْفَاء نَحْو عثير للغبار، لَكِن الْحق أَن وزن فعيل ثَبت قَلِيلا مِنْهُ صهين اسْم مَكَان أَعنِي فَيخْتَص بالأسماء الجوامد.
[2] الزير بِكَسْر الزَّاي هُوَ الرجل الَّذِي يمِيل لمحادثة النِّسَاء ومجالستهن وياؤه منقلبة عَن الْوَاو ووزنه فعل بِكَسْر الْفَاء من زار يزور. وَقَوله مريمه: أَي الْمَرْأَة الَّتِي ترغب فِي محادثته وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة مدح بهَا أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 594
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست