responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 59
وَعِنْدِي أَنَّهُ إِنْ كَانَ حَدِيثُ عُمَرَ وَهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ قَدْ حَسُنَ إِفْصَاحُ رَاوِيهِ عَنْ مَقْصِدِ عُمَرَ فِيمَا حَدَّثَ بِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَرْوِيًّا بِالْمَعْنَى مَعَ إِخْلَالٍ بِالْمَقْصُودِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى تَرْتِيبِ آيِ السُّوَرِ بِأَنْ يَكُونَ هِشَامٌ قَرَأَ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ التَّرْتِيبِ الَّذِي قَرَأَ بِهِ عُمَرُ فَتَكُونُ تِلْكَ رُخْصَةً لَهُمْ فِي أَنْ يَحْفَظُوا سُوَرَ الْقُرْآنِ بِدُونِ تَعْيِينِ تَرْتِيبِ الْآيَاتِ مِنَ السُّورَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَاقِلَّانِيُّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ السُّوَرِ مِنِ اجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّامِنَةِ. فَعَلَى رَأْيِنَا هَذَا تَكُونُ هَذِهِ رُخْصَةً. ثُمَّ لَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَتَوَخَّوْنَ بِقِرَاءَتِهِمْ مُوَافَقَةَ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ تَرْتِيبُ الْمُصْحَفِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى نَحْوِ الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِزَوَالِ مُوجِبِ الرُّخْصَةِ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ الْمُرَادَ بِالسَّبْعِ فِي الْحَدِيثِ مَا يُطَابِقُ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ الَّتِي اشْتُهِرَتْ بَيْنَ أَهْلِ فَنِّ الْقرَاءَات، وَذَلِكَ غلظ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا قَالَ أَبُو شَامَةَ، فَإِنَّ انْحِصَارَ الْقِرَاءَاتِ فِي سَبْعٍ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ حَصَلَ إِمَّا بِدُونِ قَصْدٍ أَوْ بِقَصْدِ التَّيَمُّنِ بِعَدَدِ السَّبْعَةِ أَوْ بِقَصْدِ إِيهَامِ أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنَ الْحَدِيثِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهَا بَيْنَ الْعَامَّةِ، وَنَقَلَ السُّيُوطِيُّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ ابْن عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ فَعَلَ جَاعِلُ عَدَدِ الْقِرَاءَاتِ سَبْعًا مَا لَا يَنْبَغِي، وَأَشْكَلَ بِهِ الْأَمْرُ عَلَى الْعَامَّةِ إِذْ أَوْهَمَهُمْ أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ هِيَ الْمُرَادَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْتَ جَامِعَهَا نَقَصَ عَنِ السَّبْعَةِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا.
قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ جُبَيْرٍ الْمَكِّيُّ- وَهُوَ قَبْلَ ابْنِ مُجَاهِدٍ- كِتَابًا فِي الْقِرَاءَاتِ فَاقْتَصَرَ عَلَى خَمْسَةِ أَئِمَّةٍ مِنْ كل مصر إِمَامًا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصَاحِفَ الَّتِي أَرْسَلَهَا عُثْمَانُ إِلَى الْأَمْصَارِ كَانَتْ إِلَى خَمْسَةِ أَمْصَارٍ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَوَاصِمِ» : أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقِرَاءَاتِ فِي سَبْعٍ ابْنُ مُجَاهِدٍ، غَيْرَ أَنَّهُ عَدَّ قِرَاءَةَ يَعْقُوبَ سَابِعًا ثُمَّ عَوَّضَهَا بِقِرَاءَةِ الْكِسَائِيِّ، قَالَ السُّيُوطِيُّ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِمِائَةِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ يَعْقُوبَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ مِثْلَ بَقِيَّةِ السَّبْعَةِ، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ، وَإِذْ قَدْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ سَابِقًا عَلَى تَدْوِينِ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَكَانَ هُوَ الدَّاعِيَ لِجَمْعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ
تَعَيَّنَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَمْ يَكُنْ نَاشِئًا عَنِ الِاجْتِهَادِ فِي قِرَاءَةِ أَلْفَاظِ الْمُصْحَفِ فِيمَا عَدَا اللَّهَجَاتِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 59
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست