responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 581
وَمَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ فَأَنْتُمْ مِنْهُمْ لَا مَحَالَةَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ لَبِيدٍ:
تَمَنَّى ابْنَتَايَ أَنْ يَعِيشَ أَبُوهُمَا ... وَهَلْ أَنَا إِلَّا مِنْ رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرْ
أَيْ فَلَا أُخَلَّدُ كَمَا لَمْ يُخَلَّدْ بَنُو رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، فَمَنْ فِي قَوْلِهِ: مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً شَرْطِيَّةٌ بِدَلِيلِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي جَوَابِهَا وَهِيَ فِي الشَّرْطِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ مُؤْذِنَةً بِجُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا تَعْقِيبُ (بَلَى) بِهَذَا الْعُمُومِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مَنْ زُمَرِ هَذَا الْعُمُومِ لَكَانَ ذِكْرُ الْعُمُومِ بَعْدَهَا كَلَامًا مُتَنَاثِرًا فَفِي الْكَلَامِ إِيجَازُ الْحَذْفِ لِيَكُونَ الْمَذْكُورُ كَالْقَضِيَّةِ الْكُبْرَى لِبُرْهَانِ قَوْلِهِ: بَلى.
وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّئَةِ هُنَا السَّيِّئَةُ الْعَظِيمَةُ وَهِيَ الْكُفْرُ بِدَلِيلِ الْعَطْفِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ:
وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ.
وَقَوْلُهُ: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ الْخَطِيئَةُ اسْمٌ لِمَا يَقْتَرِفُهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْجَرَائِمِ وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُوِلَةٍ مِنْ خَطَى إِذَا أَسَاءَ، وَالْإِحَاطَةُ مُسْتَعَارَةٌ لِعَدَمِ الْخُلُوِّ عَنِ الشَّيْءِ لِأَنَّ مَا يُحِيطُ بِالْمَرْءِ لَا يَتْرُكُ لَهُ مَنْفَذًا لِلْإِقْبَالِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ [يُونُس: 22] وَإِحَاطَةُ الْخَطِيئَاتِ هِيَ حَالَةُ الْكفْر لِأَنَّهَا تجريء عَلَى جَمِيعِ الْخَطَايَا وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْكُفْرِ عَمَلٌ صَالِحٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَلَد: 17] . فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُجَّةٌ لِلزَّاعِمِينَ خُلُودَ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّارِ إِذْ لَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ مُحِيطَةً بِهِ الْخَطِيئَاتُ بَلْ هُوَ لَا يَخْلُو مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ وَحَسْبُكَ مِنْ ذَلِكَ سَلَامَةُ اعْتِقَادِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَسَلَامَةُ لِسَانِهِ مِنَ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ الْخَبِيثَةِ.
وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ التَّعْرِيفِ فِي قَوْلِهِ: فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ لِقَلْبِ اعْتِقَادِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ تَذْيِيلٌ لِتَعْقِيبِ النِّذَارَةِ بِالْبِشَارَةِ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ.
وَالْمُرَادُ بِالْخُلُودِ هُنَا حَقِيقَته.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 581
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست