responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 577
دُعَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِنْشَاءِ الْغَضَبِ وَالزَّجْرِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ دُعَاءٌ لِأَنَّهُ قَبِيحٌ فِي اللَّفْظِ وَلَكِنَّ الْعِبَادَ كُلِّمُوا بِكَلَامِهِمْ وَجَاءَ الْقُرْآنُ عَلَى لُغَتِهِمْ عَلَى مِقْدَارِ فَهْمِهِمْ أَيْ هَؤُلَاءِ
مِمَّنْ وَجَبَ هَذَا الْقَوْلُ لَهُمْ. وَقَدْ جَاءَ عَلَى مِثَالِ وَيْلٌ أَلْفَاظٌ وَهِيَ وَيْحٌ وَوَيْسٌ وَوَيْبٌ وَوَيْهٌ وَوَيْكَ.
وَذِكْرُ بِأَيْدِيهِمْ تَأْكِيدٌ مِثْلَ نَظَرْتُهُ بِعَيْنَيَّ وَمِثْلَ: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ [آل عمرَان: 167] وَقَوْلُهُ: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الْأَنْعَام: 38] وَالْقَصْدُ مِنْهُ تَحْقِيقُ وُقُوعِ الْكِتَابَةِ وَرَفْعُ الْمَجَازِ عَنْهَا وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ عَامِدُونَ قَاصِدُونَ.
وَقَوْلُهُ: لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا هُوَ كَقَوْلِهِ: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا [الْبَقَرَة:
41] وَالثَّمَنُ الْمَقْصُودُ هُنَا هُوَ إِرْضَاءُ الْعَامَّةِ بِأَنْ غَيَّرُوا لَهُمْ أَحْكَامَ الدِّينِ عَلَى مَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ أَوِ انْتِحَالُ الْعِلْمِ لِأَنْفُسِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ جَاهِلُونَ فَوَضَعُوا كُتُبًا تَافِهَةً مِنَ الْقَصَصِ والمعلومات الْبَسِيطَةِ لِيَتَفَيْهَقُوا بِهَا فِي الْمَجَامِعِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ تَصِلْ عُقُولُهُمْ إِلَى الْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَكَانُوا قَدْ طَمِعُوا فِي التَّصَدُّرِ وَالرِّئَاسَةِ الْكَاذِبَةِ لَفَّقُوا نُتَفًا سَطْحِيَّةً وَجَمَعُوا مَوْضُوعَاتٍ وَفَرَاغَاتٍ لَا تَثْبُتُ عَلَى مَحَكِّ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ ثُمَّ أَشَاعُوهَا وَنَسَبُوهَا إِلَى اللَّهِ وَدِينِهِ وَهَذِهِ شَنْشَنَةُ الْجَهَلَةِ الْمُتَطَلِّعِينَ إِلَى الرِّئَاسَة عَن غَيْرِ أَهْلِيَّةٍ لِيَظْهَرُوا فِي صُوَرِ الْعُلَمَاءِ لَدَى أَنْظَارِ الْعَامَّةِ وَمَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الشَّحْمِ وَالْوَرَمِ.
وَقَوْلُهُ: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ تَفْصِيلٌ لِجِنْسِ الْوَيْلِ إِلَى وَيْلَيْنِ وَهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ الشَّرِّ لِأَجْلِ مَا وَضَعُوهُ وَمَا يَحْصُلُ لَهُمْ لِأَجْلِ مَا اكْتَسَبُوهُ مِنْ جَرَّاءَ ذَلِكَ فَهُوَ جَزَاءٌ بِالشَّرِّ عَلَى الْوَسِيلَةِ وَعَلَى الْمَقْصِدِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ثَلَاثُ وَيْلَاتٍ كَمَا قَدْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ.
وَكَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُشِيرُ إِلَى مَا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ تَلَاشِي التَّوْرَاةِ بَعْدَ تَخْرِيبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي زَمَنِ بُخْتُنَصَّرْ ثُمَّ فِي زَمَنِ طِيطَسَ الْقَائِدِ الرُّومَانِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ الَّتِي كَتَبَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ أَمَرَ بِوَضْعِهَا فِي تَابُوتِ الْعَهْدِ حَسْبَمَا ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي سِفْرِ التَّثْنِيَةِ وَكَانَ هَذَا التَّابُوتُ قَدْ وَضَعَهُ مُوسَى فِي خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ ثُمَّ وَضَعَهُ سُلَيْمَانُ فِي الْهَيْكَلِ فَلَمَّا غَزَاهُمْ بُخْتَنَصَّرْ سَنَةَ 588 قَبْلَ الْمَسِيحِ أَحْرَقَ الْهَيْكَلَ وَالْمَدِينَةَ كُلَّهَا بِالنَّارِ وَأَخَذَ مُعْظَمَ الْيَهُودِ فَبَاعَهُمْ عَبِيدًا فِي بَلَدِهِ وَتَرَكَ فِئَةً قَلِيلَةً بِأُورْشَلِيمَ قَصَرَهُمْ عَلَى الْغِرَاسَةِ وَالزِّرَاعَةِ ثُمَّ ثَارُوا عَلَى بُخْتُنَصَّرْ وَقَتَلُوا نَائِبَهُ وَهَرَبُوا إِلَى مِصْرَ وَمَعَهُمْ أَرْمِيَا فَخَرِبَتْ مَمْلَكَةُ الْيَهُودِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 577
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست