responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 566
إِمَّا مُرْسَلًا بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ، وَإِمَّا تَمْثِيلًا لِلْهَيْئَةِ عِنْدَ التَّكْوِينِ بِهَيْئَةِ الْمُكَلَّفِ إِذْ لَيْسَتْ لِلْحِجَارَةِ خَشْيَةٌ إِذْ لَا عَقْلَ لَهَا. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ إِسْنَادَ (يَهْبِطُ) لِلْحَجَرِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَالْمُرَادُ هُبُوطُ الْقُلُوبِ أَيْ قُلُوبِ النَّاظِرِينَ إِلَى الصُّخُورِ وَالْجِبَالِ أَيْ خُضُوعُهَا فَأُسْنِدَ الْهُبُوطُ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا سَبَبُهُ كَمَا قَالُوا نَاقَةٌ تَاجِرَةٌ أَيْ تَبْعَثُ مَنْ يَرَاهَا عَلَى الْمُسَاوَمَةِ فِيهَا [1] .
وَقَوْلُهُ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ تَذْيِيلٌ فِي مَحَلِّ الْحَالِ أَيْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَنْ كُلِّ صُنْعِكُمْ.
وَقَدْ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ تَكْمِلَةَ خِطَابِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ (يَعْمَلُونَ) بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنْ خِطَابِهِمْ إِلَى خِطَابِ الْمُسْلِمِينَ فَلِذَلِكَ غَيَّرَ أُسْلُوبَهُ إِلَى الْغَيْبَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الِالْتِفَاتِ لِاخْتِلَافِ مَرْجِعِ الضَّمِيرَيْنِ لِأَنَّ تَفْرِيعَ قَوْلِهِ:
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [الْبَقَرَة: 75] عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ نُقِلَ مِنْ خِطَابِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى خِطَابِ الْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ خَبَرٌ مُرَادٌ بِهِ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ لَهُمْ مُبَاشَرَةً أَو تعريضا.
[75]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)
هَذَا اعْتِرَاضٌ اسْتِطْرَادِيٌّ بَيْنَ الْقِصَّةِ الْمَاضِيَةِ وَالْقِصَّةِ الَّتِي أَوَّلُهَا: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ [الْبَقَرَة: 83] فَجَمِيعُ الْجُمَلِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَتَطْمَعُونَ إِلَى قَوْلِهِ:
وَإِذْ أَخَذْنا دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الِاسْتِطْرَادِ.
وَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ أَوِ التَّعْجِيبِيِّ عَلَى جُمْلَةِ ثُمَّ قَسَتْ [الْبَقَرَة: 74] أَوْ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ جَمِيعَهَا مِمَّا يَقْتَضِي الْيَأْسَ مِنْ إِيمَانِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَلَا تَطْمَعُوا أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ أَوْ فَاعْجَبُوا مِنْ طَمَعِكُمْ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ مَوْقِعِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي مِثْلِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ [الْبَقَرَة: 87] .
وَالطَّمَعُ تَرَقُّبُ حُصُولِ شَيْءٍ مَحْبُوبٍ وَهُوَ يُرَادِفُ الرَّجَاءَ وَهُوَ ضِدُّ الْيَأْسِ، وَالطَّمَعُ يَتَعَدَّى بِفِي حُذِفَتْ هُنَا قَبْلَ (أَنْ) .

[1] قَالَ النَّابِغَة يصف نخلا:
بزاخية ألوت بِلِيفٍ كَأَنَّهُ ... عفاء قلاص طَار عَنْهَا تواجر
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 566
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست