responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 558
وَهَذَا الْمَذْهَبُ وُقُوفٌ مَعَ قِيَاسِ الْوَضْعِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ إِثْبَاتَ كَادَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْخَبَرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فِي تَقْرِيرِ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ نَفْيَهَا يَصِيرُ إِثْبَاتًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْأَعْرَابِ حَتَّى أَلْغَزَ فِيهِ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيُّ بِقَوْلِهِ:
أَنَحْوِيَّ هَذَا الْعَصْرِ مَا هِيَ لَفْظَة ... أَنْت فِي لِسَانَيْ جُرْهُمٍ وَثَمُودَ

إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي صُورَةِ الْجَحْدِ أَثْبَتَتْ ... وَإِنْ أُثْبِتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُودِ
وَقَدِ احْتَجُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ وَهَذَا مِنْ غَرَائِبِ الِاسْتِعْمَالِ الْجَارِي عَلَى خِلَافِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ.
وَقَدْ جَرَتْ فِي هَذَا نَادِرَةٌ أَدَبِيَّةٌ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» وَهِيَ أَنَّ عَنْبَسَةَ الْعَنْسِيَّ الشَّاعِرَ قَالَ: قَدِمَ ذُو الرُّمَّةِ الْكُوفَةَ فَوَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ بِالْكُنَاسَةِ [1] يُنْشِدُ قَصِيدَتَهُ الْحَائِيَّةَ الَّتِي أَوَّلُهَا:
أَمَنْزِلَتَيْ ميّ سَلام عَلَيْكُم ... عَلَى النَّأْيِ وَالنَّائِي يَوَدُّ وَيَنْصَحُ
حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ فِيهَا:
إِذَا غَيَّرَ النَّأْيُ الْمُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ ... رَسِيسُ الْهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
وَكَانَ فِي الْحَاضِرِينَ ابْنُ شُبْرُمَةَ فَنَادَاهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ يَا غَيْلَانُ أَرَاهُ قَدْ بَرِحَ قَالَ: فَشَنَقَ نَاقَتَهُ وَجَعَلَ يَتَأَخَّرُ بِهَا وَيَتَفَكَّرُ ثُمَّ قَالَ: «لَمْ أَجِدْ» عِوَضَ «لَمْ يَكَدْ» قَالَ عَنْبَسَةُ: فَلَمَّا انْصَرَفْتُ حَدَّثْتُ أَبِي فَقَالَ لِي: أَخْطَأَ ابْنُ شُبْرُمَةَ حِينَ أَنْكَرَ عَلَى ذِي الرُّمَّةِ، وَأَخْطَأَ ذُو الرُّمَّةِ حِينَ غَيَّرَ شِعْرَهُ لِقَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ: إِنَّمَا هَذَا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها [النُّور: 40] وَإِنَّمَا هُوَ لَمْ يَرَهَا وَلَمْ يَكَدْ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ- مِنْهُمْ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي وَعَبْدُ الْقَاهِرِ وَابْنُ مَالِكٍ فِي «التَّسْهِيلِ» - إِلَى أَنَّ أَصْلَ كَادَ أَنْ يَكُونَ نَفْيُهَا لِنَفْيِ الْفِعْلِ بِالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ إِلَّا أَنَّهَا قَدْ يُسْتَعْمَلُ نَفْيُهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ بَعْدَ بُطْءٍ وَجَهْدٍ وَبَعْدَ أَنْ كَانَ بَعِيدًا فِي الظَّنِّ أَنْ يَقَعَ وَأَشَارَ عَبْدُ الْقَاهِرِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ جَرَى فِي الْعُرْفِ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا مَجَازٌ تَمْثِيلِيٌّ بِأَنْ تُشَبَّهَ حَالَةُ مَنْ فَعَلَ الْأَمْرَ بَعْدَ عَنَاءٍ بِحَالَةِ مَنْ بَعُدَ عَنِ الْفِعْلِ فَاسْتَعْمَلَ الْمُرَكَّبَ الدَّالَّ عَلَى حَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي حَالَةِ الْمُشَبَّهِ، وَلَعَلَّهُمْ يَجْعَلُونَ نَحْوَ قَوْلِهِ فَذَبَحُوها قَرِينَةً عَلَى هَذَا الْقَصْدِ.
قَالَ فِي «التَّسْهِيلِ» : «وَتُنْفَى كَادَ إِعْلَامًاُُ

[1] الكناسة: بِضَم الْكَاف أَصله اسْم لما يكنس، وَسمي بهَا ساحة بِالْكُوفَةِ مثل المربد بِالْبَصْرَةِ.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 558
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست