responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 538
وَوَجْهُ الِاقْتِصَارِ فِي الْآيَةِ عَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْأَدْيَانِ الثَّلَاثَةِ مَعَ الْإِسْلَامِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ نَحْوِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالدَّهْرِيِّينَ وَالزَّنَادِقَةِ أَنَّ هَذَا مَقَامُ دَعْوَتِهِمْ لِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْمَتَابِ عَنْ أَدْيَانِهِمُ الَّتِي أُبْطِلَتْ لِأَنَّهُمْ أَرْجَى لِقَبُولِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْمَجُوسِ وَالدَّهْرِيِّينَ لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْإِلَهَ الْمُتَفَرِّدَ بِخَلْقِ الْعَالَمِ وَيَتَّبِعُونَ الْفَضَائِلَ عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ تَقْرِيبًا لَهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَجُوسَ مَعَهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الْحَج: 17] لِأَنَّ ذَلِكَ مقَام تثبيت للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ آمَنَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مَنْ) شَرْطًا فِي مَوْضِعِ الْمُبْتَدَأِ وَيَكُونَ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ جَوَابَ الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ مَعَ الْجَوَابِ خَبَرُ إِنَّ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ مِنْهُمْ فَلَهُ أَجْرُهُ وَحُذِفَ الرَّابِطُ بَيْنَ الْجُمْلَةِ وَبَيْنَ اسْمِ (إِنَّ) لِأَنَّ (مَنِ) الشَّرْطِيَّةَ عَامَّةٌ فَكَانَ الرَّابِطُ الْعُمُومَ الَّذِي شَمِلَ الْمُبْتَدَأَ أَعْنِي اسْمَ (إِنَّ) وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ أَيْ مَنْ يُؤْمِنْ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا فَلَهُ أَجْرُهُ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَتْحَ بَابِ الْإِنَابَةِ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ قُرِعُوا بِالْقَوَارِعِ السَّالِفَةِ وَذُكِرَ مَعَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ عَنْهُمْ كُفْرٌ لِمُنَاسَبَةِ مَا اقْتَضَتْهُ الْعِلَّةُ فِي قَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ [الْبَقَرَة: 61] وَتَذْكِيرًا لِلْيَهُودِ بِأَنَّهُمْ لَا مَزِيَّةَ لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ حَتَّى لَا يَتَّكِلُوا عَلَى الْأَوْهَامِ أَنَّهُمْ أَحِبَّاءُ اللَّهِ وَأَنَّ ذُنُوبَهُمْ مَغْفُورَةٌ. وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ
الْخَالِصِينَ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَلَفَ مِثْلَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْمُنَاجَاةِ مَعَ مُوسَى وَمِثْلَ يُوشَع بن نوع كالب بن يفنه لَهُمْ هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا عِنْدَ رَبِّهِمْ لِأَنَّ إِنَاطَةَ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ الْمُشْتَقِّ مُؤْذِنٌ بِالتَّعْلِيلِ بَلِ السَّابِقُونَ بِفِعْلِ ذَلِكَ قَبْلَ التَّقْيِيدِ بِهَذَا الشَّرْطِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ فَقَدْ قَضَتِ الْآيَةُ حَقَّ الْفَرِيقَيْنِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مَنْ) مَوْصُولَةً بَدَلًا مِنَ اسْمِ (إِنَّ) وَالْفِعْلُ الْمَاضِي حِينَئِذٍ بَاقٍ عَلَى الْمُضِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّةَ مَا يُخَلِّصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ إِمَّا عَلَى أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْخَبَرِ نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ «كِتَابِ سِيبَوَيْهِ» .
وَقَائِلَةِ خَوْلَانَ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ وَنَحْوَ: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ [البروج: 10] عِنْدَ غَيْرِ سِيبَوَيْهِ. وَإِمَّا عَلَى أَنَّ الْمَوْصُولَ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الشَّرْطِ لِلْإِيذَانِ بِالتَّعْلِيلِ فَأُدْخِلَتِ الْفَاءُ قَرِينَةً عَلَى ذَلِكَ. وَيَكُونُ الْمَفَادُ مِنَ الْآيَةِ حِينَئِذٍ اسْتِثْنَاءَ صَالِحِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْحُكْمِ، بِضَرْبِ الذِّلَّةِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 538
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست