responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 526
وَجَعَلَ أَبُو حَيَّانَ فِي «الْبَحْرِ الْمُحِيطِ» جُمْلَةَ فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ جَوَابًا لِلْأَمْرِ زعم أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا يُجَابُ بِالْفِعْلِ يُجَابُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ ضَعِيفٌ هَاهُنَا لِعَدَمِ قَصْدِ التَّرْغِيبِ فِي هَذَا الْهُبُوطِ حَتَّى يُعَلَّلَ أَوْ يُعَلَّقَ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ غَضَبٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاقْتِرَانُ الْجُمْلَةِ بِإِنَّ الْمُؤَكِّدَةِ لِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَشُكُّ لِبُعْدِ عَهْدِهِمْ بِمَا سَأَلُوهُ حَتَّى يَشُكُّونَ هَلْ يَجِدُونَهُ مِنْ شِدَّةِ شَوْقِهِمْ، وَالْمُحِبُّ بِسُوءِ الظَّنِّ مُغْرًى.
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ.
عَطْفٌ عَلَى الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالْوَاوِ وَبِدُونِ إِعَادَةِ إِذْ، فَأَمَّا عَطْفُهُ فَلِأَنَّ هَاتِهِ الْجُمْلَةَ لَهَا مَزِيدُ الِارْتِبَاطِ بِالْجُمَلِ قَبْلَهَا إِذْ كَانَتْ فِي مَعْنَى النَّتِيجَةِ وَالْأَثَرِ لِمَدْلُولِ الْجُمَلِ قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [الْبَقَرَة: 49] فَإِنَّ مَضْمُونَ تِلْكَ الْجُمَلِ ذِكْرُ مَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعْمَةِ تَحْرِيرِهِمْ مِنَ اسْتِعْبَادِ الْقِبْطِ إِيَّاهُمْ وَسَوْقِهِمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدَهُمْ فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ نِعْمَتَيِ التَّحْرِيرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ جَعْلُ الشَّجَاعَةِ طَوْعَ يَدِهِمْ لَوْ فَعَلُوا فَلَمْ يُقَدِّرُوا قَدْرَ ذَلِكَ وَتَمَنَّوُا الْعَوْدَ إِلَى الْمَعِيشَةِ فِي مِصْرَ إِذْ قَالُوا لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ كَمَا فَصَّلْنَاهُ لَكُمْ هُنَالِكَ مِمَّا حَكَتْهُ التَّوْرَاةُ وَتَقَاعَسُوا عَنْ دُخُولِ الْقَرْيَةِ وَجَبُنُوا عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ كَمَا أَشَارَتْ لَهُ الْآيَةُ الْمَاضِيَةُ وَفَصَّلَتْهُ آيَةُ الْمَائِدَةِ فَلَا جَرَمَ إِذْ لَمْ يَشْكُرُوا النِّعْمَةَ وَلَمْ يُقَدِّرُوهَا أَنْ تُنْتَزَعَ مِنْهُمْ وَيُسْلَبُوهَا وَيُعَوَّضُوا عَنْهَا بِضِدِّهَا وَهُوَ الذِّلَّةُ الْمُقَابِلَةُ لِلشَّجَاعَةِ إِذْ لَمْ يَثِقُوا بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ وَالْمَسْكَنَةُ وَهِيَ الْعُبُودِيَّةُ فَتَكُونُ الْآيَةُ مَسُوقَةً مَسَاقَ الْمُجَازَاةِ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ فَهَذَا وَجْهُ الْعَطْفِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ بِالْوَاوِ دُونَ الْفَاءِ فَلِيَكُونَ خَبَرًا مَقْصُودًا بِذَاتِهِ وَلَيْسَ مُتَفَرِّعًا عَلَى قَوْلِ مُوسَى لَهُمْ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْكُرُوا النِّعْمَةَ فَإِنَّ شُكْرَ النِّعْمَةِ
هُوَ إِظْهَارُ آثَارِهَا الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا كَإِظْهَارِ النَّصْرِ لِلْحَقِّ بِنِعْمَةِ الشَّجَاعَةِ وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِينَ بِنِعْمَةِ الْكَرَمِ وَتَثْقِيفِ الْأَذْهَانِ بِنِعْمَةِ الْعِلْمِ فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النِّعْمَةَ فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ تُسْلَبَ عَنْهُ وَيُعَوَّضَ بِضِدِّهَا قَالَ تَعَالَى: فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ [سبأ: 16] الْآيَةَ، وَلَوْ عَطَفَ بِغَيْرِ الْوَاوِ لَكَانَ ذِكْرُهُ تَبَعًا لِذِكْرِ سَبَبِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الِاسْتِقْلَالِ مَا يُنَبِّهُ الْبَالَ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 526
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست