responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 523
(يُرِيدُ مَزَارِعَ الْحِنْطَةِ) وَقِيلَ الْفُومُ الْحِمَّصُ بِلُغَةِ أَهْلِ الشَّامِ.
وَقَوْلُهُ: قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ هُوَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَهُوَ تَوْبِيخٌ شَدِيدٌ لِأَنَّهُ جَرَّدَهُ عَنِ الْمُقْنِعَاتِ وَعَنِ الزَّجْرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ التَّعَجُّبُ فَالتَّوْبِيخُ. وَفِي الِاسْتِبْدَالِ لِلْخَيْرِ بِالْأَدْنَى النِّدَاءُ بِنِهَايَةِ حَمَاقَتِهِمْ وَسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: أَتَسْتَبْدِلُونَ السِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِتَأْكِيدِ الْحَدَثِ وَلَيْسَ لِلطَّلَبِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ:
وَاسْتَغْنَى اللَّهُ [التغابن: 6] وَقَوْلُهُمُ اسْتَجَابَ بِمَعْنَى أَجَابَ، وَاسْتَكْبَرَ بِمَعْنَى تَكَبَّرَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ [7] . وَفِعْلُ اسْتَبْدَلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَدَلِ بِالتَّحْرِيكِ مِثْلَ شَبَهٍ، وَيُقَالُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ مِثْلَ شِبْهٍ وَيُقَالُ بَدِيلٌ مِثْلُ شَبِيهٍ وَقَدْ سُمِعَ فِي مُشْتَقَّاتِهِ اسْتَبْدَلَ وَأَبْدَلَ وَبَدَّلَ وَتَبَدَّلَ وَكُلُّهَا أَفْعَالٌ مَزِيدَةٌ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ وَكَأَنَّهُمُ اسْتَغْنَوْا بِهَذِهِ الْمَزِيدَةِ عَنِ الْمُجَرَّدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [2] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ أَنَّ اسْتَبْدَلَ هُوَ أَصْلُهَا وَأَكْثَرُهَا وَأَنَّ تَبَدَّلَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ «لِقَوْلِهِ وَالتَّفَعُّلُ بِمَعْنَى الِاسْتِفْعَالِ غَزِيرٌ وَمِنْهُ التَّعَجُّلُ بِمَعْنَى الِاسْتِعْجَالِ وَالتَّأَخُّرُ بِمَعْنَى الِاسْتِئْخَارِ» .
وَجَمِيعُ أَفْعَالِ مَادَّةِ الْبَدَلِ تَدُلُّ عَلَى جَعْلِ شَيْءٍ مَكَانَ شَيْءٍ آخَرَ مِنَ الذَّوَاتِ أَوِ الصِّفَاتِ أَوْ عَنْ تَعْوِيضِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنَ الذَّوَاتِ أَوِ الصِّفَاتِ.
وَلما كَانَ هَذَا مَعْنَى الْحَدَثِ الْمَصُوغِ مِنْهُ الْفِعْلُ اقْتَضَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ تَعْدِيَةً إِلَى
مُتَعَلِّقَيْنِ إِمَّا عَلَى وَجْهِ الْمَفْعُولِيَّةِ فِيهِمَا مَعًا مِثْلَ تَعَلُّقِ فِعْلِ الْجَعْلِ، وَإِمَّا عَلَى وَجْهِ الْمَفْعُولِيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا وَالْجَرِّ لِلْآخَرِ مِثْلَ مُتَعَلَّقَيْ أَفْعَالِ التَّعْوِيضِ كَاشْتَرَى وَهَذَا هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْكَثِيرُ، فَإِذَا تَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى مَفْعُولَيْنِ نَحْوَ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [إِبْرَاهِيم: 48] كَانَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُزَالَ وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي يَخْلُفُهُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [الْفرْقَان: 70] يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَقَوْلِهِمْ أَبْدَلْتُ الْحَلْقَةَ خَاتَمًا، وَإِذْ تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَتَعَدَّتْ إِلَى الْآخَرِ بِالْبَاءِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فَالْمَنْصُوبُ هُوَ الْمَأْخُوذُ وَالْمَجْرُورُ هُوَ الْمَبْذُولُ نَحْوَ قَوْلِهِ هُنَا: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَقَوْلِهِ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 523
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست