responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 516
مَسْلَكَ الْخَطَأِ أَشَارُوا إِلَى أَنَّهَا فِعْلٌ يَحِقُّ أَنْ لَا يَقَعَ فِيهِ فَاعِلُهُ إِلَّا خَطَأً فَهِيَ الذَّنْبُ وَالْمَعْصِيَةُ.
وَقَوْلُهُ: وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وَعْدٌ بِالزِّيَادَةِ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلِذَلِكَ حُذِفَ مَفْعُولُ (نَزِيدُ) . وَالْوَاوُ عَاطِفَةُ جُمْلَةِ سَنَزِيدُ عَلَى جُمْلَةِ قُلْنَا ادْخُلُوا أَيْ وَقُلْنَا سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ لِأَنَّ جُمْلَةَ سَنَزِيدُ حُكِيَتْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [161] مُسْتَأْنَفَةً فَعُلِمَ أَنَّهَا تُعَبِّرُ عَنْ نَظِيرٍ لَهَا فِي الْكَلَامِ الَّذِي خَاطَبَ اللَّهُ بِهِ مُوسَى عَلَى مَعْنَى التَّرَقِّي فِي التَّفَضُّلِ فَلَمَّا حُكِيَتْ هُنَا عُطِفَتْ عَطْفَ الْقَوْلِ عَلَى الْقَوْلِ.
وَقَوْلُهُ: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ أَيْ بَدَّلَ الْعَشَرَةُ الْقَوْلَ الَّذِي أُمِرَ مُوسَى بِإِعْلَانِهِ فِي الْقَوْمِ وَهُوَ التَّرْغِيبُ فِي دُخُولِ الْقَرْيَةِ وَتَهْوِينُ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُمْ: لَا تَسْتَطِيعُونَ قِتَالَهُمْ وَثَبَّطُوهُمْ وَلِذَلِكَ عُوقِبُوا فَأُنْزِلَ عَلَيْهِمْ رِجْزٌ مِنَ السَّمَاءِ وَهُوَ الطَّاعُونُ. وَإِنَّمَا جُعِلَ مِنَ السَّمَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ أَرْضَى مِنْ عَدْوَى أَوْ نَحْوِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ رَمَتْهُمْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مِنَ السَّمَاءِ بِأَنْ أُلْقِيَتْ عَنَاصِرُهُ وَجَرَاثِيمُهُ عَلَيْهِمْ فَأُصِيبُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَلِأَجْلِ هَذَا خُصَّ التَّبْدِيلُ بِفَرِيقٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ فَعُبِّرَ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ وَبِتِلْكَ الصِّلَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّبْدِيلَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ جَمِيعِ الْقَوْمِ أَوْ مُعْظَمِهِمْ لِأَنَّ الْآيَةَ تَذْكِيرٌ لِلْيَهُودِ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ لَهُمْ مِنْ حَوَادِثِهِمْ.
وَإِنَّمَا جَاءَ بِالظَّاهِرِ فِي مَوْضِعِ الْمُضْمَرِ فِي قَوْلِهِ: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الرِّجْزَ عَمَّ جَمِيعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبِذَلِكَ تَنْطَبِقُ الْآيَةُ عَلَى مَا ذَكَرَتْهُ التَّوْرَاةُ تَمَامَ الِانْطِبَاقِ.
وَتَبْدِيلُ الْقَوْلِ تَبْدِيلُ جَمِيعِ مَا قَالَهُ اللَّهُ لَهُمْ وَمَا حَدَّثَهُمُ النَّاسُ عَنْ حَالِ الْقَرْيَةِ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى جَمِيعِ هَذَا بَنَى فِعْلَ قِيلَ إِلَى الْمَجْهُول إيجازا. فقولا مفعول أَو لِبَدَّلَ، وغَيْرَ الَّذِي قِيلَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَنَّ (بَدَّلَ) يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِنْ بَابِ كَسَى أَيْ مِمَّا دَلَّ عَلَى عَكْسِ مَعْنَى كَسَى مِثْلَ سَلَبَهُ ثَوْبَهُ. قَالَ أَبُو الشِّيصِ:
بُدِّلْتُ مِنْ بُرْدِ الشَّبَابِ مُلَاءَةً ... خَلَقًا وَبِئْسَ مَثُوبَةُ الْمُقْتَاضِ
وَفَائِدَةُ إِظْهَارِ لَفْظِ الْقَوْلِ دُونَ أَنْ يُقَالَ فَبَدَّلُوهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُمْ بَدَّلُوا لَفْظَ حِطَّةٍ خَاصَّةً وَامْتَثَلُوا مَا عَدَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْأَمْرُ هَيِّنًا.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 516
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست