responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 499
وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ أَنْ يُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ وَيُنْقِذَهُمْ مِنْ ظُلْمِ فِرْعَوْنَ فَدَخَلَ مِصْرَ وَلَقِيَ أَخَاهُ هَارُونَ فِي جُمْلَةِ قَوْمِهِ فِي مِصْرَ وَسَعَى فِي إِخْرَاجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ بِمَا قَصَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَكَانَ خُرُوجُهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ فِي حُدُودِ سَنَةِ 1460 سِتِّينَ وَأَرْبَعِمَائَةٍ وَأَلْفٍ قَبْلَ الْمَسِيحِ فِي زَمَنِ مِنْفِطَاحِ الثَّانِي وَتُوُفِّيَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قُرْبَ أَرِيحَا عَلَى جَبَلِ نِيبُو سَنَةَ 1380 ثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَأَلْفٍ قَبْلَ مِيلَادِ عِيسَى وَدُفِنَ هُنَالِكَ وَقَبْرُهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لِأَحَدٍ كَمَا هُوَ نَصُّ التَّوْرَاةِ.
وَقَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ لَيْلَةً انْتَصَبَ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِمُتَعَلَّقِ واعَدْنا وَهُوَ اللِّقَاءُ الْمَوْعُودُ بِهِ نَابَ هَذَا الظَّرْفُ عَنِ الْمُتَعَلَّقِ أَيْ مُنَاجَاةً وَغَيْرَهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِنْ جُعِلَ واعَدْنا مَسْلُوبَ الْمُفَاعَلَةِ وَإِنْ أُبْقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ قَدَّرْنَا مُتَعَلَّقَيْنِ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَانْتِصَابُ (أَرْبَعِينَ) عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ عَلَى أَنَّ إِطْلَاقَ اسْمِ الزَّمَانِ عَلَى مَا يَقَعُ فِيهِ مَجَازٌ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ وَمِنْهُ وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ [الْبَقَرَة: 48] كَمَا تَقَدَّمَ وَالْأُمُورُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْأَرْبَعُونَ لَيْلَةً مَعْلُومَةٌ لِلْمُخَاطَبِينَ يتذكرونها بِمُجَرَّد الإلماع إِلَيْهَا.
وَبِمَا حَرَّرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً تَسْتَغْنِي عَنْ تَطْوِيلَاتٍ وَاحْتِمَالَاتٍ جَرَتْ فِي كَلَامِ الْكَاتِبِينَ هُنَا مِنْ وُجُوه ذكرهَا التفتازانيّ وَعَبْدُ الْحَكِيمِ وَقَدْ جَمَعَ
الْوَجْهُ الَّذِي أَبْدَيْنَاهُ مَحَاسِنَهَا. وَجَعَلَ الْمِيقَاتَ لَيَالِيَ لِأَنَّ حِسَابَهُمْ كَانَ بِالْأَشْهُرِ الْقَمَرِيَّةِ.
وَعُطِفَتْ جُمْلَةُ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ بِحَرْفِ ثُمَّ الَّذِي هُوَ فِي عَطْفِ الْجُمَلِ لِلتَّرَاخِي التَّرْتِيبِيِّ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَرْتِيبٍ فِي دَرَجَاتِ عِظَمِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَعَطَفَ ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أَيْضًا لِتَرَاخِي مَرْتَبَةِ الْعَفْوِ الْعَظِيم عَن عَظِيم جُرْمِهِمْ فَرُوعِيَ فِي هَذَا التَّرَاخِي أَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْجُمَلُ عَظَائِمُ أُمُورٍ فِي الْخَيْرِ وَضِدِّهِ تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ بِهِمْ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ، وَبَعْدَهَا وَحَذْفُ الْمَفْعُول الثَّانِي لَا تخذتم لِظُهُورِهِ وَعِلْمِهِمْ بِهِ وَلِشَنَاعَةِ ذِكْرِهِ وَتَقْدِيرِهِ مَعْبُودًا أَوْ إِلَهًا وَبِهِ تَظْهَرُ فَائِدَةُ ذِكْرِ مِنْ بَعْدِهِ لِزِيَادَةِ التَّشْنِيعِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا جَدِيرِينَ بِانْتِظَارِهِمُ الشَّرِيعَةَ الَّتِي تَزِيدُهُمْ كَمَالًا لَا بِالنُّكُوصِ عَلَى أَعْقَابِهِمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالِانْغِمَاسِ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِأَنَّهُمْ كَانُوا جَدِيرِينَ بِالْوَفَاءِ لِمُوسَى فَلَا يُحْدِثُوا مَا أَحْدَثُوا فِي مَغِيبِهِ بَعْدَ أَن رَأَوْا معجزاته وَبَعْدَ أَنْ نَهَاهُمْ عَنْ هَاتِهِ الْعِبَادَةِ لَمَّا قَالُوا لَهُ: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الْأَعْرَاف: 138] الْآيَةَ.
وَفَائِدَةُ ذِكْرِ (مِنْ) لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الِاتِّخَاذَ ابْتَدَأَ مِنْ أَوَّلِ أَزْمَانِ بَعْدِيَّةِ مَغِيبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 499
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست