responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 497
يَعُودُوا إِلَى مِصْرَ الْبَتَّةَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ، كَيْفَ وَالْآيَاتُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ نُزُولَ الشَّرِيعَةِ كَانَ بِطُورِ سِينَا وَأَنَّ خُرُوجَهُمْ كَانَ لِيُعْطِيَهُمُ اللَّهُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ وَقَدْ أَشَارَ فِي «الْكَشَّافِ» فِي سُورَةِ الدُّخَانِ إِلَى التَّرَدُّدِ فِيهِ وَلَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ هُوَ الْمَقْصُودُ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ فَهُوَ تَمْهِيدٌ وَتَأْسِيسٌ لِبِنَائِهِ وَتَهْوِيلٌ لِذَلِكَ الْجُرْمِ إِظْهَارًا لِسِعَةِ عَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِلْمِهِ عَنْهُمْ. وَتَوْسِيطُ التَّذْكِيرِ بِالْعَفْوِ عَنْ هَذِهِ السَّيِّئَةِ بَيْنَ ذِكْرِ النِّعَمِ الْمَذْكُورَةِ مُرَاعَاةٌ لِتَرْتِيبِ حُصُولِهَا فِي الْوُجُودِ لِيَحْصُلَ غَرَضَانِ غَرَضُ التَّذْكِيرِ وَغَرَضُ عَرْضِ تَارِيخِ الشَّرِيعَةِ.
وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُوَاعَدَةِ هُنَا أَمْرُ اللَّهِ مُوسَى أَنْ يَنْقَطِعَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِطْلَاقِ الْوَعْدِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ ذَلِكَ تَشْرِيفٌ لِمُوسَى وَوَعْدٌ لَهُ بِكَلَامِ اللَّهِ وَبِإِعْطَاءِ الشَّرِيعَةِ.
وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ وَواعَدْنا بِأَلِفٍ بَعْدَ الْوَاوِ عَلَى صِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ الْمُقْتَضِيَةِ حُصُولَ الْوَعْدِ من جانبين الْوَعْد وَالْمَوْعُودُ وَالْمُفَاعَلَةُ عَلَى غَيْرِ بَابِهَا لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ عَلَى حَدِّ سَافَرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ، وَعَالَجَ الْمَرِيضَ وَقَاتَلَهُ اللَّهُ، فَتَكُونُ مَجَازًا فِي التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَقْتَضِي تَكَرُّرَ الْفِعْلِ مِنْ فَاعِلَيْنِ فَإِذَا أُخْرِجَتْ عَنْ بَابِهَا بَقِيَ التَّكَرُّرُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْفَاعِلِ ثُمَّ أُرِيدَ مِنَ التَّكَرُّرِ لَازِمُهُ وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ وَالتَّحَقُّقُ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ. وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْمُوَاعَدَةَ لَمَّا كَانَ غَالِبُ أَحْوَالِهَا حُصُولَ الْوَعْدِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ شَاعَ اسْتِعْمَالُ صِيغَتِهَا فِي
مُطْلَقِ الْوَعْدِ وَقَدْ شَاعَ اسْتِعْمَالُهَا أَيْضًا فِي خُصُوصِ التَّوَاعُدِ بِالْمُلَاقَاةِ كَمَا وَقَعَ
فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ «وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ» .
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَوَاعِدِيهِ سَرْحَتَيْ مَالِكٍ ... أَوِ الرُّبَا بَيْنَهُمَا أَسْهَلَا
وَاسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِأَنَّ الْمُنَاجَاةَ وَالتَّكَلُّمَ يَقْتَضِي الْقُرْبَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللِّقَاءِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ وَلِذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْمَوْعُودِ بِهِ لِظُهُورِهِ مِنْ صِيغَةِ الْمُوَاعَدَةِ.
وَقِيلَ الْمُفَاعَلَةُ عَلَى بَابِهَا بِتَقْدِيرِ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَ مُوسَى أَنْ يُعْطِيَهُ الشَّرِيعَةَ وَأَمَرَهُ بِالْحُضُورِ لِلْمُنَاجَاةِ فَوَعَدَ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يَمْتَثِلَ لِذَلِكَ، فَكَانَ الْوَعْدُ حَاصِلًا مِنَ الطَّرَفَيْنِ وَذَلِكَ كَافٍ فِي تَصْحِيحِ الْمُفَاعَلَةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ اخْتِلَافِ الْمَوْعُودِ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْمُفَاعَلَةَ لِأَنَّ مَبْنَى صِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ حُصُولُ فِعْلٍ مُتَمَاثِلٍ مِنْ جَانِبَيْنِ لَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يُذْكَرِ الْمُتَعَلِّقُ فِي اللَّفْظِ كَمَا هُنَا لِقَصْدِ الْإِيجَازِ الْبَدِيعِ لِقَصْدِ إِعْظَامِ الْمُتَعَلِّقِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَلَكَ أَنَّ تَقُولَ سَوَّغَ حَذْفَهُ عِلْمُ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِلتَّذْكِيرِ لَا لِلْإِخْبَارِ وَالتَّذْكِيرِ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَقَلِّ إِشَارَةٍ فَاسْتَوَى الْحَذْفُ وَالذِّكْرُ فَرَجَّحَ الْإِيجَازَ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ اتِّحَادَهُ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 497
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست