responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 475
مَجَازًا بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لِأَنَّ التَّوْبِيخَ يُلَازِمُ الِاسْتِفْهَامَ لِأَنَّ مَنْ يَأْتِي مَا يَسْتَحِقُّ التَّوْبِيخَ عَلَيْهِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَسَاءَلَ النَّاسُ عَنْ ثُبُوتِ الْفِعْلِ لَهُ وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِ بِالسُّؤَالِ فَيَنْتَقِلُ مِنَ السُّؤَالِ إِلَى التَّوْبِيخِ وَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَعْنَى التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ الْمُوَبَّخِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي وُبِّخُوا عَلَيْهَا حَالَةٌ عَجِيبَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إِرَادَةِ الْخَيْرِ لِلْغَيْرِ وَإِهْمَالِ النَّفْسِ مِنْهُ فَحَقِيقٌ بِكُلِّ سَامِعٍ أَنْ يَعْجَبَ مِنْهَا، وَلَيْسَ التَّعَجُّبُ بِلَازِمٍ لِمَعْنَى التَّوْبِيخِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بَلْ فِي نَحْوِ هَذَا مِمَّا كَانَ فِيهِ الْمُوَبَّخُ عَلَيْهِ غَرِيبًا غَيْرَ مَأْلُوفٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ فَإِذَا اسْتُعْمِلَ الِاسْتِفْهَامُ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَكَوْنُهُ مجَازًا مُرْسلا ظَاهر وَإِذَا اسْتُعْمِلَ فِي لَازِمَيْنِ يَتَوَلَّدُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ أَوْ مُتَقَارِبَيْنِ فَهُوَ أَيْضًا مَجَازٌ مُرْسَلٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ تَعَدُّدَ اللَّوَازِمِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدَ الْعَلَاقَةِ وَلَا تَكَرُّرَ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْمَجَازِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الْعَلَاقَةِ لَا مِنَ الْوَضْعِ فَتَعَدُّدُ الْمَجَازَاتِ لِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْسَعُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ السَّيِّدُ فِي «حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ» فِي بَابِ الْإِنْشَاءِ عَلَاقَتُهُ اللُّزُومُ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي تعْيين علاقته التفتازانيّ وَقَالَ:
إِنَّهُ مِمَّا لَمْ يَحُمْ أَحَدٌ حَوْلَهُ.
وَالْبِرُّ- بِكَسْرِ الْبَاءِ- الْخَيْرُ فِي الْأَعْمَالِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمُعَامَلَةِ، وَفِعْلُهُ فِي الْغَالِبِ مِنْ بَابِ عَلِمَ إِلَّا الْبر فِي الْيمن فَقَدْ جَاءَ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَبَابِ ضَرَبَ، وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْمَأْثُورَةِ الْبِرُّ ثَلَاثَةٌ: بِرٌّ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَبِرٌّ فِي مُرَاعَاةِ الْأَقَارِبِ وَبِرٌّ فِي مُعَامَلَةِ الْأَجَانِبِ، وَذَلِكَ تَبَعٌ لِلْوَفَاءِ بِسَعَةِ الْإِحْسَانِ فِي حُقُوقِ هَذِهِ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ.
وَالنِّسْيَانُ ذَهَابُ الْأَمْرِ الْمَعْلُومِ مِنْ حَافِظَةِ الْإِنْسَانِ لِضَعْفِ الذِّهْنِ أَوِ الْغَفْلَةِ وَيُرَادِفُهُ السَّهْوُ وَقِيلَ السَّهْوُ الْغَفْلَةُ الْيَسِيرَة بِحَيْثُ يتَنَبَّه بِأَقَلِّ تَنْبِيهٍ، وَالنِّسْيَانُ زَوَالُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ فَسَّرَ النِّسْيَانَ بِمُطْلَقِ التَّرْكِ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ «الْأَسَاسِ» مَجَازًا وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ. وَالنِّسْيَانُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلتَّرْكِ عَنْ عَمْدٍ أَوْ عَنِ التَّهَاوُنِ بِمَا يَذْكُرُ الْمَرْءُ فِي الْبِرِّ عَلَى نَحْوٍ مَا. قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [الماعون: 5] أَيْ وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ أَمْرِهَا بِالْبِرِّ أَوْ وَتَنْسَوْنَ أَنْ تَأْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْبِرِّ وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ يَبْقَى النِّسْيَانُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فِي التَّهَاوُنِ بِالتَّخَلُّقِ بِأُمُورِ الدِّينِ وَالِاجْتِرَاءِ عَلَى تَأْوِيلِ الْوَحْيِ بِمَا يُمْلِيهِ عَلَيْهِمُ الْهَوَى بِغَيْرِ هُدًى صَارُوا يَنْسَوْنَ أَنَّهُمْ مُتَلَبِّسُونَ
بِمِثْلِ مَا يَنْهَوْنَ عَنْهُ فَإِذَا تَصَدَّوْا إِلَى مَوَاعِظِ قَوْمِهِمْ أَوِ الْخَطَابَةِ فِيهِمْ أَوْ أَمَرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ كَانُوا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَذَامَّ قَدْ تَلَبَّسُوا بِأَمْثَالِهَا إِلَّا أَنَّ التَّعَوُّدَ بِهَا أَنْسَاهُمْ إِيَّاهَا فَأَنْسَاهُمْ أَمْرَ أَنْفُسِهِمْ بِالْبِرِّ لِنِسْيَانِ سَبَبِهِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 475
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست