responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 473
وَهُوَ عَزِيزٌ عَلَى النَّفْسِ فَلَا يَبْذُلُهُ الْمَرْءُ فِي غَيْرِ مَا يَنْفَعُهُ إِلَّا عَنِ اعْتِقَادِ نَفْعٍ أُخْرَوِيٍّ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ يُنْفَقُ عَلَى الْعَدُوِّ فِي الدِّينِ، فَلِذَلِكَ عَقَّبَ الْأَمْرَ بِالْإِيمَانِ بِالْأَمْرِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَجَشَّمُهُمَا إِلَّا مُؤْمِنٌ صَادِقٌ. وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الْمُنَافِقِينَ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى
[النِّسَاء: 142] وَقَوْلُهُ: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [الماعون: 4، 5] وَفِي «الصَّحِيحِ» أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ أَثْقَلُ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ عَلَى قَتْلِ مَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ مَعَ تَحَقُّقِ أَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهَا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ إِلَى خُرُوجِهِ إِذَا كَانَ وَقْتًا مُتَّفَقًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ الِامْتِنَاعَ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ إِيمَانِهِ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُصَرِّحًا بِالْإِيمَانِ قَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا جَمْعًا بَين الْأَدِلَّة ومنعها لِذَرِيعَةِ خَرْمِ الْمِلَّةِ.
وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ هَذَا دَلِيلًا لِمَنْ قَالُوا بِأَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ لَوْلَا الْأَدِلَّةُ الْمُعَارِضَةُ.
وَفِيهَا دَلِيلٌ لِمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَإِطْلَاقِ اسْمِ الْمُرْتَدِّينَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ أَمَارَةَ صِدْقِ الْإِيمَانِ إِذْ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا رَاجَعَهُ عُمَرُ فِي عَزْمِهِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ حِينَ مَنَعُوا إِعْطَاءَ الزَّكَاةِ وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تُقَاتِلُهُمْ وَقَدْ قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا»
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، فَحَصَلَ مِنْ عِبَارَتِهِ عَلَى إِيجَازِهَا جَوَابٌ عَنْ دَلِيلِ عُمَرَ.
وَقَوْلُهُ: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ لِلْيَهُودِ صَلَاةً لَا رُكُوعَ فِيهَا فَلِكَيْ لَا يَقُولُوا إِنَّنَا نُقِيمُ صَلَاتَنَا دَفَعَ هَذَا التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ.
وَالرُّكُوعُ طَأْطَأَةُ وَانْحِنَاءُ الظَّهْرِ لِقَصْدِ التَّعْظِيمِ أَوِ التَّبْجِيلِ، وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ لِبَعْضِ كُبَرَائِهِمْ، قَالَ الْأَعْشَى:
إِذَا مَا أَتَانَا أَبُو مَالِكٍ ... رَكَعْنَا لَهُ وَخَلَعْنَا الْعِمَامَةْ
(وَرُوِيَ سَجَدْنَا لَهُ وَخَلَعْنَا الْعَمَارَا، وَالْعَمَارُ هُوَ الْعِمَامَةُ) .
وَقَوْلُهُ: مَعَ الرَّاكِعِينَ إِيمَاءٌ إِلَى وجوب ممثالة الْمُسْلِمِينَ فِي أَدَاءِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الْمَفْرُوضَةِ فَالْمُرَادُ بِالرَّاكِعِينَ الْمُسْلِمُونَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّلَاةِ بأركانها وشرائطها.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 473
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست