responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 47
وَقَدْ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ فِي «أَسْبَابِ النُّزُولِ» : «أَمَّا الْيَوْمَ فَكُلُّ أَحَدٍ يَخْتَرِعُ لِلْآيَةِ سَبَبًا، وَيَخْتَلِقُ إِفْكًا وَكَذِبًا، مُلْقِيًا زِمَامَهُ إِلَى الْجَهَالَةِ، غَيْرَ مُفَكِّرٍ فِي الْوَعِيدِ» وَقَالَ: «لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْكِتَابِ إِلَّا بِالرِّوَايَةِ وَالسَّمَاعِ مِمَّنْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ» اهـ.
إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ مَا لَيْسَ الْمُفَسِّرُ بِغِنًى عَنْ عِلْمِهِ لِأَنَّ فِيهَا بَيَانُ مُجْمَلٍ أَوْ إِيضَاحُ خَفِيٍّ وَمُوجَزٍ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ وَحْدَهُ تَفْسِيرًا، وَمِنْهَا مَا يَدُلُّ الْمُفَسِّرَ عَلَى طَلَبِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي بِهَا تَأْوِيلُ الْآيَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أَتَى، وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ» يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [آل عمرَان: 188] فَأَجَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَائِلًا: «إِنَّمَا دَعَا النَّبِيءُ الْيَهُودَ فَسَأَلَهَمُ عَلَى شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ فَأَرَوْهُ أَنَّهُمْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ [آل عمرَان: 187، 188] الْآيَاتِ» .
وَفِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [الْبَقَرَة: 158] فَمَا عَلَى الرَّجُلِ شَيْءٌ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا، لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما اهـ.
وَمِنْهَا مَا يُنَبِّهُ الْمُفَسِّرَ إِلَى إِدْرَاكِ خُصُوصِيَّاتٍ بَلَاغِيَّةٍ تَتْبَعُ مُقْتَضَى الْمَقَامَاتِ فَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ مَا يُعِينُ عَلَى تَصْوِيرِ مَقَامِ الْكَلَامِ كَمَا سَنُنَبِّهُكَ إِلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ.
وَقَدْ تَصَفَّحْتُ أَسْبَابَ النُّزُولِ الَّتِي صَحَّتْ أَسَانِيدُهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَةَ أَقْسَامٍ:

الْأَوَّلُ:
هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ يَتَوَقَّفُ فَهْمُ الْمُرَادِ مِنْهَا عَلَى عِلْمِهِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَحْثِ عَنْهُ لِلْمُفَسِّرِ، وَهَذَا مِنْهُ تَفْسِيرُ مُبْهَمَاتِ الْقُرْآنِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها [المجادلة: 11] ،

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 47
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست