responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 459
كَالزَّبُورِ، وَكِتَابِ أَشْعِيَاءَ، وَأَرْمِيَاءَ، وَحَزْقِيَالَ، وَدَانْيَالَ وَغَيْرِهَا وَلِذَا اخْتِيرَ التَّعْبِيرُ بِمَا مَعَكُمْ دُونَ التَّوْرَاةِ مَعَ أَنَّهَا عُبِّرَ بِهَا فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا لِأَنَّ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِشَارَاتٍ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْرَحَ مِمَّا فِي التَّوْرَاةِ فَكَانَ التَّنْبِيهُ إِلَيْهَا أَوْقَعَ.
وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ الْقُرْآنِ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْهُدَى الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْأَمْرِ بِالْفَضَائِلِ وَاجْتِنَابِ الرَّذَائِلِ وَإِقَامَةِ الْعَدْلِ وَمن الْوَعيد والوعد وَالْمَوَاعِظِ وَالْقَصَصِ فَمَا تَمَاثَلَ مِنْهُ بِهَا فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ وَمَا اخْتَلَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِاخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ وَالْعُصُورِ مَعَ دُخُولِ الْجَمِيعِ تَحْتَ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ نَسْخًا لِأَنَّ النَّسْخَ إِزَالَةُ حُكْمٍ ثَابِتٍ وَلَمْ يُسَمَّ إبطالا أَو تكذبيا فَظَهَرَ أَنَّهُ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ حَتَّى فِيمَا جَاءَ مُخَالِفًا فِيهِ لِمَا مَعَهُمْ لِأَنَّهُ يُنَادِي عَلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَغْيِيرُ أَحْكَامٍ تَبَعًا لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ بِسَبَبِ تَفَاوُتِ الْأَعْصَارِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُغَيِّرُ وَالْمُغَيَّرُ حَقًّا بِحَسَبِ زَمَانِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِبْطَالًا وَلَا تَكْذِيبًا قَالَ تَعَالَى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ [النِّسَاء: 160] الْآيَةَ. فَالْإِيمَانُ بِالْقُرْآنِ لَا يُنَافِي تَمَسُّكَهُمُ الْقَدِيمَ بِدِينِهِمْ وَلَا مَا سَبَقَ مِنْ أَخْذِ رُسُلِهِمْ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ بِاتِّبَاعِهِ. وَمِمَّا يَشْمَلُهُ تَصْدِيقُ الْقُرْآنِ لِمَا مَعَهُمْ أَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ وَدِينُ الْإِسْلَامِ وَالْجَائِي بِهِ مُوَافِقَةٌ لِمَا بَشَّرَتْ بِهِ كُتُبُهُمْ فَيَكُونُ وُرُودُهُ مُعْجِزَةً لِأَنْبِيَائِهِمْ وَتَصْدِيقًا آخَرَ لِدِينِهِمْ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْفَخْرُ وَالْبَيْضَاوِيُّ فَيَلْزَمُ تَأْوِيلُ التَّصْدِيقِ بِالتَّحْقِيقِ لِأَن التَّصْدِيق حَقِيقَة فِي إِعْلَامِ الْمُخْبَرِ (بِفَتْحِ الْبَاءِ) بِأَنَّ خَبَرَ الْمُخْبِرِ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ إِمَّا بِقَوْلِهِ صَدَقْتَ أَوْ صَدَقَ فُلَانٌ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ قَالَ السَّائِلُ صَدَقْتَ قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، وَإِمَّا بِأَنْ يُخْبِرَ الرَّجُلُ بِخَبَرٍ مِثْلَ مَا أَخْبَرَ بِهِ غَيْرُهُ فَيَكُونُ إِخْبَارُهُ الثَّانِيَ تَصْدِيقًا لِإِخْبَارِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا إِطْلَاقُ التَّصْدِيقِ عَلَى دِلَالَةِ شَيْءٍ عَلَى صِدْقِ خَبَرٍ مَا فَهُوَ إِطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ وَالْمَقْصُودُ وَصْفُ الْقُرْآنِ بِكَوْنِهِ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ بِأَخْبَارِهِ وَأَحْكَامِهِ لَا وَصْفُ الدِّينِ وَالنُّبُوَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 459
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست