responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 454
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمرَان: 81] الْآيَةَ وَإِذْ قَدْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِالْآيَةِ قَدْ تَلَقَّوُا الشَّرِيعَةَ مِنْ أَسْلَافِهِمْ بِمَا فِيهَا مِنْ عَهْدٍ فَقَدْ كَانَ الْعَهْدُ لَازِمًا لَهُمْ وَكَانَ الْوَفَاءُ مُتَعَيِّنًا عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ جَاءَ فِيهِمُ الرَّسُولُ الْمَوْعُودُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ عَطَفَتِ الْوَاوُ جُمْلَةَ وَإِيَّايَ عَلَى الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي إِلَى آخِرِهَا عَلَى طَرِيقَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَعْنًى إِلَى الْمَعْنَى الْمُتَوَلِّدِ عَنْهُ وَهِيَ أَصْلُ طَرِيقَةِ الْمُنْشِئِينَ أَنْ يُرَاعُوا التَّرْتِيبَ الْخَارِجِيَّ فِي الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ مَا لَمْ يَطْرَأْ مُقْتَضٍ لِتَغْيِيرِ التَّرْتِيبِ الطَّبِيعِيِّ وَمِنْهُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ [هود: 77] إِلَخْ، فَإِنَّهُ لَمَّا افْتَتَحَ خِطَابَهُمْ بِالتَّذْكِيرِ بِالنِّعْمَةِ الْبَاعِثِ عَلَى شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَمُرَاقَبَةِ حَقِّهِ وَالْمُطَهِّرِ لَهُمْ مِنَ الْحَسَدِ فَإِنَّهُ صَارِفٌ عَنِ الِاعْتِرَافِ بِالنِّعْمَةِ كَمَا قَدَّمْنَا. ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي وَهُوَ مَبْدَأُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْأَمْرِ بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ الْمَوْعُودِ بِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِمْ. ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ فَهُوَ تَتْمِيمٌ لِذَلِكَ الْأَمْرِ السَّابِقِ بِالنَّهْيِ عَمَّا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيفَاءِ بِالْعَهْدِ عَلَى وَجْهِهِ وَذَلِكَ هُوَ صَدُّ كُبَرَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ إِيَّاهُمْ عَنِ الِانْتِقَالِ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّمَسُّكِ بِالتَّوْرَاةِ فَإِنَّهُمْ هُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لِمَلِكِ بِلَادِهِمْ فِرْعَوْنَ مِصْرَ يَوْمَ بِعْثَةِ مُوسَى لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا [طه: 72] فَكَانُوا أَحْرِيَاءَ بِأَن يخاطبوا سادتهم وَأَحْبَارَهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْخِطَابِ عِنْدَ الْبِعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.
فَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ هُنَا مُتَعَيِّنٌ لِلِاخْتِصَاصِ لِيَحْصُلَ مِنَ الْجُمْلَةِ إِثْبَاتٌ وَنَفْيٌ وَاخْتِيرَ مِنْ طُرُقِ الْقَصْرِ طَرِيقُ التَّقْدِيمِ دُونَ مَا وَإِلَّا لِيَكُونَ الْحَاصِلُ بِالْمَنْطُوقِ هُوَ الْأَمْرَ بِرَهْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونَ النَّهْيُ عَنْ رَهْبَةِ غَيْرِهِ حَاصِلًا بِالْمَفْهُومِ فَإِنَّهُمْ إِذَا رَهِبُوا اللَّهَ تَعَالَى حَرَصُوا عَلَى الْإِيفَاءِ بِالْعَهْدِ وَلَمَّا كَانَتْ رَهْبَتُهُمْ أَحْبَارَهُمْ تَمْنَعُهُمْ من الْإِيفَاء بالعهد أُدْمِجَ النَّهْيُ عَنْ رَهْبَةِ غَيْرِ اللَّهِ مَعَ الْأَمْرِ بِرَهْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ مَعَ اشْتِغَالِ فِعْلِهِ بِضَمِيرِهِ آكَدُ فِي إِفَادَةِ التَّقْدِيمِ الْحَصْرَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفِعْلِ غَيْرِ الْمُشْتَغِلِ بِضَمِيرِهِ، فَإِيَّايَ ارْهَبُونِ آكَدُ مِنْ نَحْوِ إِيَّايَ ارْهَبُوا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» إِذْ قَالَ: «وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ زَيْدًا رَهِبْتُهُ وَهُوَ أَوْكَدُ فِي إِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ مِنْ إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الْفَاتِحَة: 5] اهـ. وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَفْعُولِ يَحْتَمِلُ الِاخْتِصَاصَ، إِلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَدُلَّ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 454
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست