responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 45
رَاجِعَةٌ إِلَى عُمُومِ الدَّعْوَةِ وَهُوَ مُعْجِزَةٌ بَاقِيَةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يَصْلُحُ لِأَنْ تَتَنَاوَلَهُ أَفْهَامُ مَنْ يَأْتِي مِنَ النَّاسِ فِي عُصُورِ انْتِشَارِ الْعُلُومِ فِي الْأُمَّةِ. الثَّالِثُ أَنَّ السَّلَفَ قَالُوا: إِنَّ الْقُرْآنَ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ يَعْنُونَ مَعَانِيَهُ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الشاطبي لَا نقضت عَجَائِبُهُ بِانْحِصَارِ أَنْوَاعِ مَعَانِيهِ. الرَّابِعُ أَنَّ مِنْ تَمَامِ إِعْجَازِهِ أَنْ يَتَضَمَّنَ مِنَ الْمَعَانِي مَعَ إِيجَازِ لَفْظِهِ مَا لَمْ تَفِ بِهِ الْأَسْفَارُ الْمُتَكَاثِرَةُ.
الْخَامِسُ أَنَّ مِقْدَارَ أَفْهَامِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ ابْتِدَاءً لَا يَقْضِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ مَفْهُومًا لَدَيْهِمْ فَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى الْمَعَانِي الْأَسَاسِيَّةِ فَقَدْ يَتَهَيَّأُ لِفَهْمِهِ أَقْوَامٌ، وَتُحْجَبُ عَنْهُ أَقْوَامٌ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. السَّادِسُ أَنَّ عَدَمَ تَكَلُّمِ السَّلَفِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ فِيمَا لَيْسَ رَاجِعًا إِلَى مَقَاصِدِهِ فَنَحْنُ نُسَاعِدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا فَلَا نُسَلِّمُ وُقُوفَهُمْ فِيهَا عِنْدَ
ظَوَاهِرِ الْآيَاتِ بَلْ قَدْ بَيَّنُوا وَفَصَّلُوا وَفَرَّعُوا فِي عُلُومٍ عُنُوا بِهَا، وَلَا يَمْنَعُنَا ذَلِك أَن نقفي عَلَى آثَارِهِمْ فِي عُلُومٍ أُخْرَى رَاجِعَةٍ لِخِدْمَةِ الْمَقَاصِدِ الْقُرْآنِيَّةِ أَوْ لِبَيَانِ سَعَةِ الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ، أَمَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذِكْرُهُ لِإِيضَاحِ الْمَعْنَى فَذَلِكَ تَابِعٌ لِلتَّفْسِيرِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْعُلُومَ الْعَقْلِيَّةَ إِنَّمَا تَبْحَثُ عَنْ أَحْوَالِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَذَلِكَ لَيْسَ مِنَ التَّفْسِيرِ لَكِنَّهُ تَكْمِلَةٌ لِلْمَبَاحِثِ الْعِلْمِيَّةِ وَاسْتِطْرَادٌ فِي الْعِلْمِ لِمُنَاسَبَةِ التَّفْسِيرِ لِيَكُونَ مُتَعَاطِي التَّفْسِيرِ أَوْسَعَ قَرِيحَةً فِي الْعُلُومِ.
وَذَهَبَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَوَاصِمِ» إِلَى إِنْكَارِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْعُلُومِ الْفَلْسَفِيَّةِ وَالْمَعَانِي الْقُرْآنِيَّةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى غَيْرِ هَاتِهِ الْعُلُومِ وَذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِ فِي تَحْقِيرِ الْفَلْسَفَةِ لِأَجْلِ مَا خُولِطَتْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَاتِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَهُوَ مُفْرِطٌ فِي ذَلِكَ مُسْتَخِفٌّ بِالْحُكَمَاءِ.
وَأَنَا أَقُولُ: إِنَّ عَلَاقَةَ الْعُلُومِ بِالْقُرْآنِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ:

الْأُولَى:
عُلُومٌ تَضَمَّنَهَا الْقُرْآنُ كَأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ، وَتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَالْفِقْهِ وَالتَّشْرِيعِ وَالِاعْتِقَادِ وَالْأُصُولِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْبَلَاغَةِ.

الثَّانِيَةُ:
عُلُومٌ تَزِيدُ الْمُفَسِّرَ علما كالحكمة والهيأة وَخَوَاصِّ الْمَخْلُوقَاتِ.

الثَّالِثَةُ:
عُلُومٌ أَشَارَ إِلَيْهَا أَوْ جَاءَتْ مُؤَيِّدَةً لَهُ كَعِلْمِ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَالطِّبِّ وَالْمَنْطِقِ.

الرَّابِعَةُ:
عُلُومٌ لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِهِ إِمَّا لِبُطْلَانِهَا كَالزَّجْرِ وَالْعِيَافَةِ وَالْمِيثُولُوجْيَا، وَإِمَّا لِأَنَّهَا لَا تُعِينُ عَلَى خِدْمَتِهِ كَعِلْمِ الْعَرُوضِ وَالْقَوَافِي.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 45
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست