responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 438
أَوِ الْإِلْهَامِ. وَلَهُمْ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ رِوَايَاتٌ أَعْرَضْنَا عَنْهَا لِقِلَّةِ جَدْوَى الِاشْتِغَالِ بِذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ آدَمُ الْكَلِمَاتِ فَتِيبَ عَلَيْهِ فَلْنَهْتَمَّ نَحْنُ بِمَا يَنْفَعُنَا مِنَ الْكَلَامِ الصَّالِحِ وَالْفِعْلِ الصَّالِحِ.
وَلَمْ تُذْكَرْ تَوْبَةُ حَوَّاءَ هُنَا مَعَ أَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى نَحْوُ قَوْلِهِ: قَالَا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الْأَعْرَاف: 23] لِظُهُورِ أَنَّهَا تَتْبَعُهُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ وَأَنَّهُ أَرْشَدَهَا إِلَى مَا أُرْشِدَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ جَرَى عَلَى الِابْتِدَاءِ بِتَكْرِيمِ آدَمَ وَجَعْلِهِ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فَكَانَ الِاعْتِنَاءُ بِذِكْرِ تَقَلُّبَاتِهِ هُوَ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ.
وَأَصْلُ مَعْنَى تَابَ رَجَعَ وَنَظِيرُهُ ثَابَ بِالْمُثَلَّثَةِ، وَلَمَّا كَانَتِ التَّوْبَةُ رُجُوعًا مِنَ التَّائِبِ إِلَى الطَّاعَةِ وَنَبْذًا لِلْعِصْيَانِ وَكَانَ قَبُولُهَا رُجُوعًا مِنَ الْمَتُوبِ إِلَيْهِ إِلَى الرضى وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وُصِفَ بِذَلِكَ رُجُوعُ الْعَاصِي عَنِ الْعِصْيَانِ وَرُجُوعُ الْمَعْصِيِّ عَنِ الْعِقَابِ فَقَالُوا تَابَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ فَتَابَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ ضَمَّنُوا الثَّانِيَ مَعْنَى عَطْفٍ وَرَضًى فَاخْتِلَافُ مُفَادَيْ هَذَا الْفِعْلِ بِاخْتِلَافِ الْحَرْفِ الَّذِي يَتَعَدَّى بِهِ وَكَانَ أَصْلُهُ مَبْنِيًّا عَلَى الْمُشَاكَلَةِ.
وَالتَّوْبَةُ تَتَرَكَّبُ مِنْ عِلْمٍ وَحَالٍ وَعَمَلٍ، فَالْعِلْمُ هُوَ مَعْرِفَةُ الذَّنَبِ وَالْحَالُ هُوَ تَأَلُّمُ النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ الضَّرَرِ وَيُسَمَّى نَدَمًا، وَالْعَمَلُ هُوَ التَّرْكُ لِلْإِثْمِ وَتَدَارُكُ مَا يُمْكِنُ تَدَارُكَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّوْبَةِ، وَأَمَّا النَّدَمُ فَهُوَ الْبَاعِثُ عَلَى الْعَمَلِ وَلِذَلِكَ
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ»
قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، قُلْتُ: أَيْ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا ضَرُورَةً أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ لِأَنَّ أَحَدَ الْجُزْءَيْنِ غَيْرُ مَعْرِفَةٍ.
ثمَّ التَّعْبِير بتاب عَلَيْهِ هُنَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ أَكْلَ آدَمَ مِنَ الشَّجَرَةِ خَطِيئَةٌ إِثْم غَيْرَ أَنَّ الْخَطِيئَةَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مُرَتَّبًا عَلَيْهَا جَزَاءُ عِقَابٍ أُخْرَوِيٍّ وَلَا نَقْصٌ فِي الدِّينِ وَلَكِنَّهَا أَوْجَبَتْ تَأْدِيبًا عَاجِلًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَوْمَئِذٍ فِي طَوْرٍ كَطَوْرِ الصِّبَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنِ ارْتِكَابُهَا بِقَادِحٍ فِي نُبُوءَةِ آدَمَ عَلَى أَنَّهَا لَا يَظْهَرُ أَنْ تُعَدَّ مِنَ الْكَبَائِرِ بَلْ قِصَارُهَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّغَائِرِ إِذْ لَيْسَ فِيهَا مَعْنًى يُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ بِالْأَمْرِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَسَادٌ، وَفِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الصَّغَائِرِ خِلَافٌ بَيْنِ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ وَبَيْنَ الْمَاتُرِيدِيِّ وَهِيَ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ، عَلَى أَنَّ نُبُوءَةَ آدَمَ فِيمَا يَظْهَرُ
كَانَتْ بَعْدَ النُّزُولِ إِلَى الْأَرْضِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ عِصْمَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ إِذِ الْعِصْمَةُ عِنْدَ النُّبُوءَةِ.
وَعِنْدِي- وَبَعْضُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِهِمْ- أَنَّ ذَلِكَ الْعَالَمَ لَمْ يَكُنْ عَالَمَ تَكْلِيفٍ بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرَائِعِ بَلْ عَالَمَ تَرْبِيَةٍ فَقَطْ فَتَكُونُ خَطِيئَةُ آدَمَ وَمَعْصِيَتُهُ مُخَالَفَةً تَأْدِيبِيَّةً وَلِذَلِكَ كَانَ الْجَزَاءُ عَلَيْهَا جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْعُقُوبَاتِ التَّأْدِيبِيَّةِ بِالْحِرْمَانِ مِمَّا جَرَّهُ إِلَى الْمَعْصِيَةِ، فَإِطْلَاقُ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّوْبَةِ وَظُلْمِ النَّفْسِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ هُوَ بِغَيْرِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمَعْرُوفِ بَلْ هِيَ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 438
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست