responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 423
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ (لِلْمَلَائِكَةُ اسْجُدُوا) بِضَمَّةٍ عَلَى التَّاءِ فِي حَالِ الْوَصْلِ عَلَى إِتْبَاعِ حَرَكَةِ التَّاءِ لِضَمَّةِ الْجِيمِ فِي (اسْجُدُوا) لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالسَّاكِنِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ غَيْرُ حَصِينٍ، وَقِرَاءَتُهُ هَذِهِ رِوَايَةٌ وَهِيَ جَرَتْ عَلَى لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ فِي مِثْلِ هَذَا فَلِذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ وَالْفَارِسِيُّ: هَذَا خَطَأٌ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا يَجُوزُ اسْتِهْلَاكُ الْحَرَكَةِ الْإِعْرَابِيَّةِ بِحَرَكَةِ الْإِتْبَاعِ إِلَّا فِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ كَقِرَاءَةِ الْحَسَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: 2]- بِكَسْرِ الدَّالِّ- قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ
أَبُو جَعْفَرٍ إِذَا كَانَ مَا قَبْلَ الْهَمْزَةِ سَاكِنًا صَحِيحًا نَحْوَ: وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [31] اهـ وَإِنَّمَا حَمَلُوا عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَمْلَةَ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ مَعْدُودَةٌ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ فَمَا كَانَ يَحْسُنُ فِيهَا مِثْلُ هَذَا الشُّذُوذِ، وَإِنْ كَانَ شُذُوذًا فِي وُجُوهِ الْأَدَاءِ لَا يُخَالِفُ رَسْمَ الْمُصْحَفِ.
وَعَطْفُ فَسَجَدُوا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ يُشِيرُ إِلَى مُبَادَرَةِ الْمَلَائِكَةِ بِالِامْتِثَالِ وَلَمْ يَصُدَّهُمْ مَا كَانَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ التَّخَوُّفِ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَخْلُوقُ مَظْهَرَ فَسَادٍ وَسَفْكِ دِمَاءٍ لِأَنَّهُمْ مُنَزَّهُونَ عَنِ الْمَعَاصِي.
وَاسْتِثْنَاءُ إِبْلِيسَ مِنْ ضَمِيرِ الْمَلَائِكَةِ فِي فَسَجَدُوا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [50] إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ وَلَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَ أَحْوَالَهُ كَأَحْوَالِ النُّفُوسِ الْمَلَكِيَّةِ بِتَوْفِيقٍ غَلَبَ عَلَى جِبِلَّتِهِ لِتَتَأَتَّى مُعَاشَرَتُهُ بِهِمْ وَسَيْرُهُ عَلَى سِيرَتِهِمْ فَسَاغَ اسْتِثْنَاءُ حَالِهِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ فِي مَظِنَّةِ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِمَنْ هُوَ فِيهِمْ.
وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مَقْصُودًا فِي الْخَبَرِ الَّذِي أُخْبِرَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ إِذْ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [الْبَقَرَة: 30] وَفِي الْأَمْرِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ إِذْ قَالَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِآدَمَ ذَلِكَ أَنَّ جِنْسَ الْمُجَرَّدَاتِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْعَالَمِ مَغْمُورًا بِنَوْعِ الْمَلَكِ إِذْ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ نَوْعِهِمْ أَفْرَادًا كَثِيرَةً كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ صِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [الْبَقَرَة: 30] وَلَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ مِنْ نَوْعِ الْجِنِّ إِلَّا أَصْلَهُمْ وَهُوَ إِبْلِيسُ، وَخَلَقَ مِنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ أَصْلَهُمْ وَهُوَ آدَمُ. وَقَدْ أَقَامَ اللَّهُ إِبْلِيسَ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ إِقَامَةَ ارْتِيَاضٍ وَتَخَلُّقٍ وَسَخَّرَهُ لِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِمْ فَجَرَى عَلَى ذَلِكَ السَّنَنِ أَمَدًا طَوِيلًا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ ظَهَرَ مَا فِي نَوْعِهِ مِنَ الْخَبَثِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [50] فَعَصَى رَبَّهُ حِينَ أَمَرَهْ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 423
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست