responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 40
الْأَوَّلُ:
إِصْلَاحُ الِاعْتِقَادِ وَتَعْلِيمُ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا أَعْظَمُ سَبَبٍ لِإِصْلَاحِ الْخَلْقِ، لِأَنَّهُ يُزِيلُ عَنِ النَّفْسِ عَادَةً الْإِذْعَانَ لِغَيْرِ مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَيُطَهِّرُ الْقَلْبَ مِنَ الْأَوْهَامِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْإِشْرَاكِ وَالدَّهْرِيَّةِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ
تَتْبِيبٍ
[هود: 101] فَأَسْنَدَ لِآلِهَتِهِمْ زِيَادَةَ تَتْبِيبِهِمْ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ فِعْلِ الْآلِهَةِ وَلَكِنَّهُ مِنْ آثَارِ الِاعْتِقَادِ بِالْآلِهَةِ.

الثَّانِي:
تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [الْقَلَم: 4] وَفَسَّرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقَهُ الْقُرْآنُ.
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» بَلَاغًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ حُسْنِ الْأَخْلَاقِ»
وَهَذَا الْمَقْصِدُ قَدْ فَهِمَهُ عَامَّةُ الْعَرَبِ بَلْهَ خَاصَّةَ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيُّ مُشِيرًا إِلَى مَا دَخَلَ عَلَى الْعَرَبِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بِأَحْسَنِ تَعْبِيرٍ:
فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدَّارِ يَا أُمَّ مَالِكٍ ... وَلَكِنْ أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ

وَعَادَ الْفَتَى كَالْكَهْلِ لَيْسَ بِقَائِلٍ ... سِوَى الْعَدْلِ شَيْئًا فَاسْتَرَاحَ الْعَوَاذِلُ
أَرَادَ بِإِحَاطَةِ السَّلَاسِلِ بِالرِّقَابِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ وَعَادَ الْفَتَى كَالْكَهْلِ.

الثَّالِثُ:
التَّشْرِيعُ وَهُوَ الْأَحْكَامُ خَاصَّةً وَعَامَّةً. قَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ [النِّسَاء: 105] وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [الْمَائِدَة: 48] وَلَقَدْ جَمَعَ الْقُرْآنُ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ جَمْعًا كُلِّيًّا فِي الْغَالِبِ، وَجُزْئِيًّا فِي الْمُهِمِّ، فَقَوْلُهُ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النَّحْل: 89] ، وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [الْمَائِدَة: 3] الْمُرَادُ بِهِمَا! إِكْمَالُ الْكُلِّيَّاتِ الَّتِي مِنْهَا الْأَمْرُ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالْقِيَاسِ. قَالَ الشَّاطِبِيُّ لِأَنَّهُ عَلَى اخْتِصَارِهِ جَامِعٌ وَالشَّرِيعَةُ تَمَّتْ بِتَمَامِهِ وَلَا يَكُونُ جَامِعًا لِتَمَامِ الدِّينِ إِلَّا وَالْمَجْمُوعُ فِيهِ أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ.

الرَّابِعُ:
سِيَاسَةُ الْأُمَّةِ وَهُوَ بَابٌ عَظِيمٌ فِي الْقُرْآنِ الْقَصْدُ مِنْهُ صَلَاحُ الْأُمَّةِ وَحِفْظُ نِظَامِهَا كَالْإِرْشَادِ إِلَى تَكْوِينِ الْجَامِعَةِ بِقَوْلِهِ: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها [آل عمرَان: 103] وَقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الْأَنْعَام: 159]

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 40
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست