responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 380
حُصُولِهَا عِنْدَ الْفِعْلِ تُثْمِرُ غَايَاتٍ، هَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا أَتُوصَفُ بِكَوْنِهَا أغراضا وعللا غائية أَمْ لَا؟ [1] فَأَثْبَتَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ اسْتِدْلَالًا بِمَا وَرَدَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:
56] ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ فِيمَا عَزَاهُ إِلَيْهِمُ الْفَخْرُ فِي «التَّفْسِيرِ» مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ الَّذِي يُفْعَلُ لِغَرَضٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَفِيدًا مِنْ غَرَضِهِ ذَلِكَ ضَرُورَةَ أَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ الْغَرَضِ أَوْلَى بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ مِنْ عَدَمِهِ، فَيَكُونُ مُسْتَفِيدًا مِنْ تِلْكَ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْغَرَضِ سَبَبًا فِي فِعْلِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ نَاقِصًا فِي فَاعِلِيَّتِهِ مُحْتَاجًا إِلَى حُصُولِ السَّبَبِ.
وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ لُزُومَ الِاسْتِفَادَةِ وَالِاسْتِكْمَالِ إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ رَاجِعَةً إِلَى الْفَاعِلِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ رَاجِعَةً لِلْغَيْرِ كَالْإِحْسَانِ فَلَا، فَرَدَّهُ الْفَخْرُ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْإِحْسَانُ أَرْجَحَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَوْلَى لَزِمَتِ الِاسْتِفَادَةُ. وَهَذَا الرَّدُّ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْأَرْجَحِيَّةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الِاسْتِفَادَةَ أَبَدًا بَلْ إِنَّمَا تَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقَ الْإِرَادَةِ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ الِاسْتِفَادَةُ لَوِ ادَّعَيْنَا التَّعَيُّنَ وَالْوُجُوبَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ يَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ سُفِسْطَائِيَّتَيْنِ أُولَاهُمَا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَوْ كَانَ الْفِعْلُ لِغَرَضٍ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ مُسْتَكْمِلًا بِهِ وَهَذَا سَفْسَطَةٌ شُبِّهَ فِيهَا الْغَرَضُ النَّافِعُ لِلْفَاعِلِ بِالْغَرَضِ بِمَعْنَى الدَّاعِي إِلَى الْفِعْلِ وَالرَّاجِعُ إِلَى مَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْكَمَالِ لَا تَوَقُّفَ كَمَالِهِ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُمْ إِذَا كَانَ الْفِعْلُ لِغَرَضٍ كَانَ الْغَرَضُ سَبَبًا يَقْتَضِي عَجْزَ
الْفَاعِلِ وَهَذَا شُبِّهَ فِيهِ السَّبَبُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمَنْ عَدِمَهِ الْعَدَمُ وَكِلَاهُمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سَبَبٌ.
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَخْلُو عَنِ الثَّمَرَةِ وَالْحِكْمَةِ وَيَمْنَعُونَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْحِكَمُ عِلَلًا وَأَغْرَاضًا مَعَ أَنَّ ثَمَرَةَ فِعْلِ الْفَاعِلِ الْعَالِمِ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ غَرَضًا لِأَنَّهَا تَكُونُ دَاعِيًا لِلْفِعْلِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ عِلْمِ الْفَاعِلِ وَإِرَادَتِهِ. وَلَمْ أَدْرِ أَيَّ حَرَجٍ نَظَرُوا إِلَيْهِ حِينَ مَنَعُوا تَعْلِيلَ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَغْرَاضِهَا.
وَيَتَرَجَّحُ عِنْدِي أَنَّ هَاتِهِ الْمَسْأَلَةَ اقْتَضَاهَا طَرْدُ الْأُصُولِ فِي الْمُنَاظَرَةِ، فَإِنَّ الْأَشَاعِرَةَ

[1] اعْلَم أَن الْأَثر الْمُتَرَتب على الْفِعْل إِذا نظر إِلَيْهِ من حَيْثُ إِنَّه ثَمَرَة سمى فَائِدَة، وَإِذا نظر إِلَيْهِ من حَيْثُ إِنَّه يحصل عِنْد نِهَايَة الْفِعْل سمي غَايَة (لِأَن الْغَايَة هِيَ مبلغ سبق خيل الحلبة) فَإِذا كَانَ مَعَ ذَلِك دَاعيا الْفَاعِل إِلَى الْفِعْل سمي بذلك الِاعْتِبَار غَرضا وَسمي بِاعْتِبَار حُصُوله عِنْد نِهَايَة الْفِعْل عِلّة غائية (لِأَن الْغَرَض هُوَ هدف الرماية فَهُوَ كالغاية فِي السَّبق) .
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 380
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست