responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 356
قَوْلُهُ تَعَالَى: كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ.
جُمْلَةُ: كُلَّما رُزِقُوا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صفة ثَانِيَة لجنات، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ ضَمِيرُ الَّذِينَ آمَنُوا فَتَكُونَ جُمْلَةً ابْتِدَائِيَّةً الْغَرَضُ مِنْهَا بَيَانُ شَأْنٍ آخر من شؤون الَّذِينَ آمَنُوا، وَلِكَمَالِ الِاتِّصَالِ بَيْنَهَا وَبِينَ جُمْلَةِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ فُصِلَتْ عَنْهَا كَمَا تُفْصَلُ الْأَخْبَار المتعددة.
و (كلما) ظَرْفُ زمَان لِأَن كلا أُضِيفَتْ إِلَى مَا الظَّرْفِيَّةِ الْمَصْدَرِيَّةِ فَصَارَتْ لِاسْتِغْرَاقِ
الْأَزْمَانِ الْمُقَيَّدَةِ بِصِلَةِ مَا الْمَصْدَرِيَّةِ وَقَدْ أُشْرِبَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ لِذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ إِلَّا تَعْلِيقًا على الْأَزْمَان الْمقيدَة بِمَدْلُولِ فِعْلِ الشَّرْطِ وَلِذَلِكَ خَرَجَتْ كَثِيرٌ مِنْ كَلِمَاتِ الْعُمُومِ إِلَى مَعْنَى الشَّرْطِ عِنْدَ اقْتِرَانِهَا بِمَا الظَّرْفِيَّةِ نَحْوِ كَيْفَمَا وَحَيْثُمَا وَأَنَّمَا وَأَيْنَمَا وَمَتَى وَمَا مهما.
وَالنَّاصِبُ لِكُلَّمَا الْجَوَابُ لِأَنَّ الشَّرْطِيَّةَ طَارِئَةٌ عَلَيْهَا طَرَيَانًا غَيْرَ مُطَّرِدٍ بِخِلَافِ مَهْمَا وَأَخَوَاتِهَا.
وَإِذْ كَانَتْ كُلَّمَا نَصًّا فِي عُمُومِ الْأَزْمَانِ تَعَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ الْمَبْنِيَّ عَلَى الضَّمِّ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ ظَاهِرِ التَّقْدِيرِ أَيْ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْمَرَّةِ فَيَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ دَيْدَنُ صِفَاتِ ثَمَرَاتِهِمْ أَنْ تَأْتِيَهُمْ فِي صُوَرِ مَا قُدِّمَ إِلَيْهِمْ فِي الْمَرَّةِ السَّابِقَةِ. وَهَذَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً لِصِفَةِ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَلَيْسَ فِيهِ قَصْدُ امْتِنَانٍ خَاصٍّ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ ثِمَارَ الْجَنَّةِ مُتَّحِدَةُ الصُّورَةِ مُخْتَلِفَةُ الطُّعُومِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَشْكَالِ فِي الدُّنْيَا نَشَأَ مِنِ اخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ وَالتَّرَاكِيبِ فَأَمَّا مَوْجُودَاتُ الْآخِرَةِ فَإِنَّهَا عَنَاصِرُ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَعْتَوِرُهَا الشَّكْلُ وَإِنَّمَا يَجِيءُ فِي شَكْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الشَّكْلُ الْعُنْصُرِيُّ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْجِيبًا لَهُمْ وَالشَّيْءُ الْعَجِيبُ لَذِيذُ الْوَقْعِ عِنْدَ النُّفُوسِ وَلِذَلِكَ يَرْغَبُ النَّاسُ فِي مُشَاهَدَةِ الْعَجَائِبِ وَالنَّوَادِرِ. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الْأَظْهَرُ مِنَ السِّيَاقِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كَلَّمَا لِعُمُومِ غَيْرِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ عَامٌّ مُرَادٌ بِهِ الْخُصُوصُ بِالْقَرِينَةِ، وَمَعْنَى (مِنْ قَبْلُ) فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ حَمَلَ قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ عَلَى تَقْدِيرِ مِنْ قَبْلِ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَيْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَاهُ فِي الدُّنْيَا، وَوَجْهُهُ فِي «الْكَشَّافِ» : «بِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِالْمَأْلُوفِ آنَسُ» وَهُوَ بَعِيدٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ يَكُونَ عُمُومُ كُلَّمَا مُرَادًا بِهِ خُصُوصُ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فِي الْجَنَّةِ وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الطَّعْمِ وَاخْتِلَافَ الْأَشْكَالِ وَهَذَا أَضْعَف فِي التَّعَجُّب، وَلِأَنَّ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 356
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست