responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 338
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ مِثْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى (مَا نَزَّلْنَا) أَيْ مِنْ مِثْلِ الْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى عَبْدِنا فَإِنْ أُعِيدَ إِلَى (مَا نَزَّلْنَا) أَيْ مِنْ مِثْلِ الْقُرْآنِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ (مِنْ) ابْتِدَائِيَّةٌ أَيْ سُورَةٍ مَأْخُوذَةٍ مِنْ مِثْلِ الْقُرْآنِ أَيْ كِتَابٍ مِثْلِ الْقُرْآنِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ صِفَةٌ لِسُورَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ (مِنْ) تَبْعِيضِيَّةً أَوْ بَيَانِيَّةً أَوْ زَائِدَةً، وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَهِيَ وُجُوهٌ مَرْجُوحَةٌ، وَعَلَى الْجَمِيعِ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ صِفَةٌ لِسُورَةٍ، أَيْ هِيَ بَعْضُ مِثْلِ مَا نَزَّلْنَا، وَمِثْلُ اسْمٌ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الْمُمَاثِلِ، أَوْ سُورَةٌ مِثْلُ مَا نَزَّلْنَا وَ (مِثْلُ) صِفَةٌ عَلَى احْتِمَالَيْ كَوْنِ (مِنْ) بَيَانِيَّةً أَوْ زَائِدَةً، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَوْجُهِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمِثْلَ سَوَاءً كَانَ صِفَةً أَوِ اسْمًا فَهُوَ مِثْلٌ مُقَدَّرٌ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِمْ وَفَرْضِهِمْ وَلَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْمِثْلَ مَوْجُودٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّعْجِيزِ. وَإِنْ أُعِيد الضَّمِير لعبدنا فَمِنْ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ (ائْتُوا) وَهِيَ ابْتِدَائِيَّةٌ وَحِينَئِذٍ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ ظَرْفُ لَغْوٍ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. وَيَجُوزُ كَوْنُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ صِفَةً لِسُورَةٍ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا ائْتُوا بِسُورَةٍ مُنْتَزَعَةٍ مِنْ رَجُلٍ مِثْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأُمِّيَّةِ، وَلَفْظُ مِثْلِ إِذَنِ اسْمٌ.
وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ لَفْظَ (مِثْلٍ) فِي الْآيَةِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْكِنَايَةَ عَنِ
الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ (مِثْلِ) كِنَايَةٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، أَوْ مِنْ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ «الْكَشَّافِ» وَإِنَّمَا لَفْظُ مِثْلٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الصَّرِيحِ إِلَّا أَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُكْنَى بِهِ عَنْ نَفْسِ الْمُضَافِ هُوَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمِثْلَ هُنَا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِسْمِيَّةِ غَيْرُ مُتَحَقَّقِ الْوُجُودِ إِلَّا أَنَّ سَبَبَ انْتِفَاءِ تَحَقُّقِهِ هُوَ كَوْنُهُ مَفْرُوضًا فَإِنَّ كَوْنَ الْأَمْرِ لِلتَّعْجِيزِ يَقْتَضِي تَعَذُّرَ الْمَأْمُورِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَاتِهِ الْوُجُوهِ بِمُقْتَضٍ وُجُودَ مِثْلٍ لِلْقُرْآنِ حَتَّى يُرَادَ بِهِ بَعْضُ الْوُجُوهِ كَمَا توهمه التفتازانيّ.
وَعِنْدِي أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي احْتَمَلَهَا قَوْلُهُ: مِنْ مِثْلِهِ كُلَّهَا مُرَادَةٌ لِرَدِّ دَعَاوِي الْمُكَذِّبِينَ فِي اخْتِلَافِ دَعَاوِيهِمْ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ بَشَرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مُكْتَتَبٌ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ. وَهَاتِهِ الْوُجُوهُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ تُفَنِّدُ جَمِيعَ الدَّعَاوِي فَإِنْ كَانَ كَلَامَ بَشَرٍ فَأَتَوْا بِمُمَاثِلِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ فَأْتُوا أَنْتُمْ بِجُزْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسَاطِيرِ، وَإِنْ كَانَ يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ فَأْتُوا أَنْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِسُورَةٍ فَمَا هُوَ بِبَخِيلٍ عَنْكُمْ إِنْ سَأَلْتُمُوهُ. وَكُلُّ هَذَا إِرْخَاءٌ لِعِنَانِ الْمُعَارَضَةِ وَتَسْجِيلٌ لِلْإِعْجَازِ عِنْدَ عَدَمِهَا.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 338
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست