responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 328
خُصَّ بِاسْمِ الْخَلْقِ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ، لِأَنَّ لَفْظَ الْخَلْقِ هُوَ أَقْرَبُ الْأَلْفَاظِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ دَلَالَةً عَلَى مَعْنَى الْإِيجَادِ مِنَ الْعَدَمِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَصَارَ ذَلِكَ مَدْلُولَ مَادَّةِ خَلَقَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ خُصَّ إِطْلَاقُهُ فِي لِسَانِ الْإِسْلَامِ بِاللَّهِ تَعَالَى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النَّحْل: 17] وَقَالَ: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر: 3] وَخُصَّ اسْمُ الْخَالِقِ بِهِ تَعَالَى فَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَطْلَقَهُ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَكَانَ إِطْلَاقُهُ عَجْرَفَةً فَيَجِبُ أَنْ يُنَبَّهَ عَلَى تَرْكِهِ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْمَقْصِدِ الْأَسْنَي» : لَا حَظَّ لِلْعَبْدِ فِي اسْمِهِ تَعَالَى الْخَالِقِ إِلَّا بِوَجْهٍ مِنَ الْمَجَازِ بَعِيدٍ فَإِذَا بَلَغَ فِي سِيَاسَةِ نَفْسِهِ وَسِيَاسَةِ الْخَلْقِ مَبْلَغًا يَنْفَرِدُ فِيهِ بِاسْتِنْبَاطِ أُمُورٍ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهَا وَيَقْدِرُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى فِعْلِهَا كَانَ كَالْمُخْتَرِعِ لِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ مِنْ قَبْلُ فَيَجُوزُ إِطْلَاقُ الِاسْمِ (أَيِ الْخَالِقِ) عَلَيْهِ مَجَازًا اهـ. فَجَعَلَ جَوَازَ إِطْلَاقِ فِعْلِ الْخَلْقِ عَلَى اخْتِرَاعِ
بَعْضِ الْعِبَادِ مَشْرُوطًا بِهَذِهِ الْحَالَةِ النَّادِرَةِ وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلَهُ مَجَازًا بَعِيدًا فَمَا حَكَاهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيكون طائرا بِإِذن الله [آل عمرَان: 49] وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي [الْمَائِدَة: 110] فَإِنَّ ذَلِكَ مُرَاعَى فِيهِ أَصْلُ الْإِطْلَاقِ اللُّغَوِيِّ قَبْلَ غَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ مَادَّةِ خَلَقَ فِي الْخَلْقِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ تَخْصِيصُ تِلْكَ الْمَادَّةِ بِتَكْوِينِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَوْجُودَاتِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ الله تَعَالَى: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: 14] .
وَجُمْلَةُ: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِاعْبُدُوا فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ، أَيْ أَمَرْتُكُمْ بِعِبَادَتِهِ لِرَجَاءٍ مِنْكُمْ أَنْ تَتَّقُوا.
«وَلَعَلَّ» حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى الرَّجَاءِ، وَالرَّجَاءُ هُوَ الْإِخْبَار عَن تهيىء وُقُوعِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وُقُوعًا مُؤَكَّدًا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ لَعَلَّ حَرْفٌ مَدْلُولُهُ خَبَرِيٌّ لِأَنَّهَا إِخْبَارٌ عَنْ تَأَكُّدِ حُصُولِ الشَّيْءِ [1] وَمَعْنَاهَا مُرَكَّبٌ مِنْ رَجَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الْمُخَاطَبِ وَهُوَ مَعْنًى جُزْئِيٌّ حَرْفِيٌّ. وَقَدْ شَاعَ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلِ الْعُلُومِ الْحَيْرَةُ فِي مَحْمَلِ لَعَلَّ الْوَاقِعَةِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَعْنَى التَّرَجِّي يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَزْمِ بِوُقُوعِ الْمَرْجُوِّ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ فَلِلشَّكِّ جَانِبٌ فِي مَعْنَاهَا حَتَّى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «لَعَلَّ كَلِمَةُ

[1] وَلَيْسَ فِيهَا معنى إنشائي طلبي وَلذَلِك لم ينصبوا الْفِعْل فِي جوابها بعد الْفَاء وَالْوَاو بِخِلَاف جَوَاب التَّمَنِّي وَلذَلِك لم ينصب فَأطلع من قَوْله تَعَالَى: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ [غَافِر: 36، 37] ، إِلَّا فِي رِوَايَة حَفْص عَن عَاصِم.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 328
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست