responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 322
قَالَ الشَّيْخُ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» : إِنَّ الْبَلَاغَةَ فِي أَنْ يُجَاءَ بِهِ كَذَلِكَ مَحْذُوفًا وَقَدْ يَتَّفِقُ فِي بَعْضِهِ أَنْ يَكُونَ إِظْهَارُ الْمَفْعُولِ هُوَ الْأَحْسَنَ وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِ الشَّاعِرِ (هُوَ إِسْحَاقُ الْخُرَيْمِيُّ مَوْلَى بَنِي خُرَيْمٍ مِنْ شُعَرَاءِ عَصْرِ الرَّشِيدِ يَرْثِي أَبَا
الْهَيْذَامِ الْخُرَيْمِيَّ حَفِيدَهُ ابْنَ ابْنِ عِمَارَةَ) .
وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِي دَمًا لَبَكَيْتُهُ ... عَلَيْهِ وَلَكِنْ سَاحَةُ الصَّبْرِ أَوْسَعُ
وَسَبَبُ حُسْنِهِ أَنَّهُ كَأَنَّهُ بِدْعٌ عَجِيبٌ أَنْ يَشَاءَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَبْكِيَ دَمًا فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَرِّحَ بِذِكْرِهِ لِيُقَرِّرَهُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ إِلَخْ كَلَامِهِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَزَادَ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَا يَحْذِفُونَ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَغْرَبِ إِذْ قَالَ لَا يَكَادُونَ يُبْرِزُونَ الْمَفْعُولَ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَغْرَبِ إِلَخْ وَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عَدَمَ الْحَذْفِ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَثِيرًا. وَعِنْدِي أَنَّ الْحَذْفَ هُوَ الْأَصْلُ لِأَجْلِ الْإِيجَازِ فَالْبَلِيغُ تَارَةً يَسْتَغْنِي بِالْجَوَابِ فَيَقْصِدُ الْبَيَانَ بَعْدَ الْإِبْهَامِ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ طَرَفَةُ: وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تُرْقِلْ وَإِنْ شِئْتَ أَرْقَلَتْ، وَتَارَةً يُبَيِّنُ بِذِكْرِ الشَّرْطِ أَسَاسَ الْإِضْمَارِ فِي الْجَوَابِ نَحْوَ الْبَيْتِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ [الْأَنْبِيَاء: 17] وَيَحْسُنُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي الْمَفْعُولِ غَرَابَةٌ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ لِابْتِدَاءِ تَقْرِيرِهِ كَمَا فِي بَيْتِ الْخُرَيْمِيِّ وَالْإِيجَازُ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِيهِ حَذْفًا إِمَّا مِنَ الْأَوَّلِ أَوْ مِنَ الثَّانِي. وَقَدْ يُوهِمُ كَلَامُ أَئِمَّةِ الْمَعَانِي أَنَّ الْمَفْعُولَ الْغَرِيبَ يَجِبُ ذِكْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً [فصلت: 14] فَإِنَّ إِنْزَالَ الْمَلَائِكَةِ أَمْرٌ غَرِيبٌ قَالَ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيُّ.
وَإِنْ شِئْتَ فَازْعُمْ أَنَّ مَنْ فَوْقَ ظَهْرِهَا ... عَبِيدُكَ وَاسْتَشْهِدْ إِلَهَكَ يَشْهَدِ
فَإِنَّ زَعْمَ ذَلِكَ زَعْمٌ غَرِيبٌ.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ ظَاهِرُهُ أَنْ يَعُودُوا إِلَى أَصْحَابِ الصَّيِّبِ الْمُشَبَّهِ بِحَالِهِمْ حَالُ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِإِمْكَانِ إِتْلَافِ الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ يُنَاسِبُ أَهْلَ الصَّيِّبِ الْمُشَبَّهِ بِحَالِهِمْ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ وَقَوْلِهِ: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الرَّعْدَ وَالْبَرْقَ الْوَاقِعَيْنِ فِي الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا هُمَا رَعْدٌ وَبَرْقٌ بَلَغَا مُنْتَهَى قُوَّةِ جِنْسَيْهِمَا بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ قَصِيفُ الرَّعْدِ مِنْ إِتْلَافِ أَسْمَاعِ سَامِعِيهِ وَلَا يَمْنَعُ وَمِيضُ الْبَرْقِ مِنْ إِتْلَافِ أَبْصَارِ نَاظِرِيهِ إِلَّا مَشِيئَةُ اللَّهِ عَدَمَ وُقُوعِ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذَا فِي الْحَالَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِهَا أَنْ يَسْرِيَ نَظِيرُهُ فِي الْحَالَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْمُنَافِقِينَ فَهُمْ عَلَى وَشْكِ انْعِدَامِ الِانْتِفَاعِ بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمُ انْعِدَامًا تَامًّا مِنْ كَثْرَةِ عِنَادِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْحَقِّ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ وَإِمْلَاءً لِيَزْدَادُواُُ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 322
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست