responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 318
نَفْسِهِ
فَفِي الْحَدِيثِ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِثْرَ سَمَاءٍ»
إِلَخْ، وَلَمَّا كَانَ تَكَوُّنُ الْمَطَرِ مِنَ الطَّبَقَةِ الزَّمْهَرِيرِيَّةِ الْمُرْتَفِعَةِ فِي الْجَوِّ جُعِلَ ابْتِدَاؤُهُ مِنَ السَّمَاءِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مِنَ السَّماءِ تَقْيِيدًا لِلصَّيِّبِ إِمَّا بِمَعْنَى مِنْ جَمِيعِ أَقْطَارِ الْجَوِّ إِذَا قُلْنَا إِنَّ التَّعْرِيفَ فِي السَّمَاءِ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» عَلَى بُعْدٍ فِيهِ إِذْ لَمْ يُعْهَدُ دُخُولُ لَامِ الِاسْتِغْرَاقِ إِلَّا عَلَى اسْمٍ كُلِّيٍّ ذِي أَفْرَادٍ دُونَ اسْمِ كُلٍّ ذِي أَجْزَاءٍ فَيَحْتَاجُ لِتَنْزِيلِ الْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي إِنْ جَعَلْنَا قَوْلَهُ: مِنَ السَّماءِ قَيْدًا لِلصَّيِّبِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ السَّمَاءِ أَعْلَى الِارْتِفَاعِ وَالْمَطَرُ إِذَا كَانَ مِنْ سَمْتٍ مُقَابِلٍ وَكَانَ عَالِيًا كَانَ أَدْوَمَ بِخِلَافِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ جَوَانِبِ الْجَوِّ وَيَكُونُ قَرِيبًا مِنَ الْأَرْضِ غَيْرَ مُرْتَفِعٍ. وَضَمِيرُ (فِيهِ) عَائِدٌ إِلَى (صَيِّبٍ) وَالظَّرْفِيَّةُ مَجَازِيَّةٌ بِمَعْنَى مَعَهُ، وَالظُّلُمَاتُ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ آنِفًا.
وَالْمُرَادُ بِالظُّلُمَاتِ ظَلَامُ اللَّيْلِ أَيْ كَسَحَابٍ فِي لَوْنِهِ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَسَحَابَةُ اللَّيْلِ أَشَدُّ مَطَرًا وَبَرْقًا وَتُسَمَّى سَارِيَةً. وَالرَّعْدُ أَصْوَاتٌ تَنْشَأُ فِي السَّحَاب. والبرق لَا مَعَ نَارِيٌّ مُضِيءٌ يَظْهَرُ فِي السَّحَابِ، وَالرَّعْدُ وَالْبَرْقُ يَنْشَآنِ فِي السَّحَابِ مِنْ أَثَرٍ كَهْرَبَائِيٍّ يَكُونُ فِي السَّحَابِ فَإِذَا تَكَاثَفَتْ سَحَابَتَانِ فِي الْجَوِّ إِحْدَاهُمَا كَهْرَبَاؤُهَا أَقْوَى مِنْ كَهْرَبَاءِ الْأُخْرَى وَتَحَاكَّتَا جَذَبَتِ الْأَقْوَى مِنْهُمَا الْأَضْعَفَ فَحَدَثَ بِذَلِكَ انْشِقَاقٌ فِي الْهَوَاءِ بِشِدَّةٍ وَسُرْعَةٍ فَحَدَثَ صَوْتٌ قَوِيٌّ هُوَ الْمُسَمَّى الرَّعْدَ وَهُوَ فَرْقَعَةٌ هَوَائِيَّةٌ مِنْ فِعْلِ الْكَهْرَبَاءِ، وَيَحْصُلُ عِنْدَ ذَلِكَ الْتِقَاءُ الْكَهْرَبَاءَيْنِ وَذَلِكَ يُسَبِّبُ انْقِدَاحَ الْبَرْقِ.
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الصَّيِّبَ تَشْبِيهٌ لِلْقُرْآنِ وَأَنَّ الظُّلُمَاتِ وَالرَّعْدَ وَالْبَرْقَ تَشْبِيهٌ لِنَوَازِعِ الْوَعِيدِ
بِأَنَّهَا تَسُرُّ أَقْوَامًا وَهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْغَيْثِ وَتَسُوءُ الْمُسَافِرِينَ غَيْرَ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ، فَكَذَلِكَ الْآيَاتُ تَسُرُّ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يَجِدُونَ أَنْفُسَهُمْ نَاجِينَ مِنْ أَنْ تَحِقَّ عَلَيْهِمْ وَتَسُوءُ الْمُنَافِقِينَ إِذْ يَجِدُونَهَا مُنْطَبِقَةً عَلَى أَحْوَالِهِمْ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 318
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست