responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 315
حِينَ يُجَاذِبُ نُفُوسَهُمْ جَاذِبُ الْخَيْرِ عِنْدَ سَمَاعِ مَوَاعِظِ الْقُرْآنِ وَإِرْشَادِهِ، وَجَاذِبُ الشَّرِّ مِنْ أَعْرَاقِ النُّفُوسِ وَالسُّخْرِيَةِ بِالْمُسْلِمِينَ، بِحَالِ صَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ اخْتَلَطَتْ فِيهِ غُيُوثٌ وَأَنْوَارٌ وَمُزْعِجَاتٌ وَأَكْدَارٌ، جَاءَ عَلَى طَرِيقَةِ بُلَغَاءِ الْعَرَبِ فِي التَّفَنُّنِ فِي التَّشْبِيهِ وَهُمْ يتنافسون فِيهِ لَا سِيمَا التَّمْثِيلِيُّ مِنْهُ وَهِيَ طَرِيقَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَمَكُّنِ الْوَاصِفِ مِنَ التَّوْصِيفِ وَالتَّوَسُّعِ فِيهِ.
وَقَدِ اسْتَقْرَيْتُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَرَأَيْتُهُمْ قَدْ يَسْلُكُونَ طَرِيقَةَ عَطْفِ تَشْبِيهٍ عَلَى تَشْبِيهٍ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ فِي مُعَلَّقَتِهِ:
أَصَاحِ تَرَى بَرْقًا أُرِيكَ وَمِيضَهُ ... كَلَمْعِ الْيَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّلِ

يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيحِ رَاهِبٍ ... أَمَالَ السَّلِيطُ بِالذُّبَالِ الْمُفَتَّلِ
وَقَوْلِ لَبِيدٍ فِي مُعَلَّقَتِهِ يَصِفُ رَاحِلَتَهُ:
فَلَهَا هِبَابٌ فِي الزِّمَامِ كَأَنَّهَا ... صَهْبَاءُ خَفَّ مَعَ الْجَنُوبِ جِهَامُهَا

أَوْ مُلْمِعٍ وَسَقَتْ لِأَحْقَبَ لَاحَهُ ... طَرْدُ الْفُحُولِ وَضَرْبُهَا وَكِدَامُهَا (1)
وَكَثُرَ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ فِي نَحْوِهِ بَأَوْ دُونَ الْوَاوِ، وَأَوْ مَوْضُوعَةٌ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الْأَشْيَاءِ فَيَتَوَلَّدُ مِنْهَا مَعْنَى التَّسْوِيَةِ وَرُبَّمَا سَلَكُوا فِي إِعَادَةِ التَّشْبِيهِ مَسْلَكَ الِاسْتِفْهَامِ بِالْهَمْزَةِ
أَيْ لِتَخْتَارَ التَّشْبِيهَ بِهَذَا أَمْ بِذَلِكَ وَذَلِكَ كَقَوْلِ لَبِيدٍ عَقِبَ الْبَيْتَيْنِ السَّابِقِ ذِكْرُهُمَا:
أَفَتِلْكَ أَمْ وَحْشِيَّةٌ مَسْبُوعَةٌ ... خَذَلَتْ وَهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوَامُهَا (2)
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي تَشْبِيهِ سَيْرِ نَاقَتِهِ الْحَثِيثِ:
وَثْبَ الْمُسَحَّجُ مِنْ عَانَاتِ مُعَقُلَةٍ ... كَأَنَّهُ مُسْتَبَانُ الشَّكِّ أَوْ جَنِبُُُ

(1) الهباب- بِكَسْر الْهَاء- مصدر كالهبوب وَهُوَ النهوض والنشاط. والصهباء: السحابة المائل لَوْنهَا للسواد. والجهام: السَّحَاب لَا مطر فِيهِ وَهُوَ خَفِيف السّير. والملمع: الَّتِي استبان حملهَا، وَأَرَادَ الأتان ووسقت: حملت. والأحقب: هُوَ حمَار الْوَحْش وَقَوله: لأحقب أَي من أحقب. ولاحه:
غَيره. وطرد الفحول: خصامها. والكدام- بِكَسْر الْكَاف- العض.
(2) المسبوعة: الَّتِي أكل السَّبع وَلَدهَا. وخذلت بِمَعْنى تَأَخَّرت عَن صواحبها فِي الرواح. والهادية الْمُتَقَدّمَة. والصوار- بِكَسْر الصَّاد- قطيع الْغنم. والقوام- بِكَسْر الْقَاف- مَا بِهِ يقوم الْأَمر أَي تَأَخَّرت النعجة الوحشية وَلم تهتد بمقدمة القطيع.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 315
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست