responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 307
لَا تُغَيَّرُ عَنْ لَفْظِهَا الَّذِي وَرَدَ فِي الْأَصْلِ تَذْكِيرًا وَتَأْنِيثًا وَغَيْرَهُمَا. فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الْمَثَلِ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ: «قَوْلٌ شُبِّهَ مَضْرِبُهُ بِمَوْرِدِهِ» أَنَّ مَضْرِبَهُ هُوَ الْحَالَةُ الْمُشَبَّهَةُ سُمِّيَتْ مَضْرِبًا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ مَكَانِ ضَرْبِ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَيْ وَضْعِهِ أَيِ النُّطْقِ بِهِ يُقَالُ ضُرِبَ الْمَثَلُ أَيْ شُبِّهَ وَمُثِّلَ قَالَ تَعَالَى: أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا [الْبَقَرَة: 26] وَأَمَّا مَوْرِدُهُ فَهُوَ الْحَالَةُ الْمُشَبَّهُ بِهَا وَهِيَ الَّتِي وَرَدَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَيْ صَدَرَ عِنْدَ حُدُوثِهَا، سُمِّيَتْ مَوْرِدًا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ مَكَانِ الْمَاءِ الَّذِي يَرِدُهُ الْمُسْتَقُونَ، وَيُقَالُ الْأَمْثَالُ السَّائِرَةُ أَيِ الْفَاشِيَّةُ الَّتِي يَتَنَاقَلُهَا النَّاسُ وَيَتَدَاوَلُونَهَا فِي مُخْتَلَفِ الْقَبَائِلِ وَالْبُلْدَانِ فَكَأَنَّهَا تَسِيرُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ. والَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا مُفْرَدٌ مُرَادٌ بِهِ مُشَبَّهٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مُسْتَوْقِدَ النَّارِ وَاحِدٌ وَلَا مَعْنَى لِاجْتِمَاعِ جَمَاعَةٍ عَلَى اسْتِيقَادِ نَارٍ وَلَا يريبك كَون الْحَالة الْمُشَبَّهِ حَالَةَ جَمَاعَةِ الْمُنَافِقِينَ، كَأَنَّ تَشْبِيهَ الْهَيْئَةِ بِالْهَيْئَةِ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِتَصْوِيرِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِهَا لَا بِكَوْنِهَا عَلَى وَزْنِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُ حَالِ الْمُنَافِقِينَ فِي ظُهُورِ أَثَرِ الْإِيمَانِ وَنُورِهِ مَعَ تَعَقُّبِهِ بِالضَّلَالَةِ وَدَوَامِهِ، بِحَالِ مَنِ اسْتَوْقَدَ نَارًا.
وَاسْتَوْقَدَ بِمَعْنَى أَوْقَدَ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا هما فِي قولهه تَعَالَى: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمرَان: 195] وَقَوْلُهُمُ اسْتَبَانَ الْأَمْرُ وَهَذَا كَقَوْلِ بَعْضِ بَنِي بَوْلَانَ مِنْ طَيٍّ فِي «الْحَمَاسَةِ» :
نَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بِالْحَضِيضِ وَنَصْ ... طَادُ نُفُوسًا بُنَتْ عَلَى الْكَرَمِ
أَرَادَ وَقُودًا يَقَعُ عِنْدَ الرَّمْيِ بِشِدَّةٍ. وَكَذَلِكَ فِي الْآيَةِ لِإِيرَادِ تَمْثِيلِ حَالِ الْمُنَافِقِينَ فِي إِظْهَارِ الْإِيمَانِ بِحَالِ طَالِبِ الْوَقُودِ بَلْ هُوَ حَالُ الْمَوْقِدِ وَقَوْلُهُ:
فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ.
مُفَرَّعٌ على اسْتَوْقَدَ. وفَلَمَّا حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ شَيْءٍ عِنْدَ وُقُوعِ غَيْرِهِ فَوُقُوعُ جَوَابِهَا مُقَارِنٌ لِوُقُوعِ شَرْطِهَا وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ أَيْ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْجَوَابِ لِوُجُودِ شَرْطِهَا أَيْ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهَا كَالْمَعْلُولِ لِوُجُودِ شَرْطِهَا سَوَاءً كَانَ مِنْ تَرَتُّبِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ أَوْ كَانَ تَرَتُّبِ الْمُسَبِّبِ الْعُرْفِيِّ عَلَى السَّبَبِ أَمْ كَانَ تَرَتُّبِ الْمُقَارَنِ عَلَى مُقَارَنَةِ الْمُهَيَّأِ وَالْمُقَارَنُ الْحَاصِلُ عَلَى سَبِيلِ الْمُصَادَفَةِ وَكُلُّهَا اسْتِعْمَالَاتٌ وَارِدَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَفِي الْقُرْآنِ.
مِثَالُ تُرَتِّبِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ لَمَّا تَعَفَّنَتْ أَخْلَاطُهُ حُمَّ، وَالْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبُُِ،

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 307
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست