responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 303
وَيُقَالُ: مَثِيلٌ كَمَا يُقَالُ: شِبْهٌ وَشَبَهٌ وَشَبِيهٌ، وَبَدَلٌ وَبِدْلٌ، وَبَدِيلٌ، وَلَا رَابِعَ لِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي مَجِيءِ فَعَلٍ وَفِعْلٍ وَفَعِيلٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَقَدِ اخْتَصَّ لَفْظُ الْمَثَلِ (بِفَتْحَتَيْنِ) بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْحَالِ الْغَرِيبَةِ الشَّأْنِ لِأَنَّهَا بِحَيْثُ تُمَثِّلُ لِلنَّاسِ وَتُوَضِّحُ وَتُشَبِّهُ سَوَاءٌ شُبِّهَتْ كَمَا هُنَا، أَمْ لَمْ تُشَبَّهْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُ الْجَنَّةِ [الرَّعْد: 35] .
وَبِإِطْلَاقِهِ عَلَى قَوْلٍ يَصْدُرُ فِي حَالٍ غَرِيبَةٍ فَيُحْفَظُ وَيَشِيعُ بَيْنَ النَّاسِ لِبَلَاغَةٍ وَإِبْدَاعٍ فِيهِ، فَلَا يَزَالُ النَّاسُ يَذْكُرُونَ الْحَالَ الَّتِي قِيلَ فِيهَا ذَلِكَ الْقَوْلُ تَبَعًا لِذِكْرِهِ وَكَمْ مِنْ حَالَةٍ عَجِيبَةٍ حَدَثَتْ وَنُسِيَتْ لِأَنَّهَا لَمْ يَصْدُرْ فِيهَا مِنْ قَوْلٍ بَلِيغٍ مَا يَجْعَلُهَا مَذْكُورَةً تَبَعًا لِذِكْرِهِ فَيُسَمَّى مَثَلًا وَأَمْثَالُ الْعَرَبِ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ بَلَاغَتِهِمْ وَقَدْ خُصَّتْ بِالتَّأْلِيفِ وَيُعَرِّفُونَهُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ شُبِّهَ مَضْرِبُهُ بِمَوْرِدِهِ وَسَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا.
فَالظَّاهِرُ أَنَّ إِطْلَاقَ الْمَثَلِ عَلَى الْقَوْلِ الْبَدِيعِ السَّائِرِ بَيْنَ النَّاسِ الصَّادِرِ مِنْ قَائِلِهِ فِي حَالَةٍ عَجِيبَةٍ هُوَ إِطْلَاقٌ مُرَتَّبٌ عَلَى إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَثَلِ عَلَى الْحَالِ الْعَجِيبَةِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَكَادُونَ يَضْرِبُونَ مَثَلًا وَلَا يَرَوْنَهُ أَهْلًا لِلتَّسْيِيرِ وَجَدِيرًا بِالتَّدَاوُلِ إِلَّا قَوْلًا فِيهِ بَلَاغَةٌ وَخُصُوصِيَّةٌ فِي فَصَاحَةِ لَفْظٍ وَإِيجَازِهِ وَوَفْرَةِ مَعْنًى، فَالْمَثَلُ قَول عَزِيز غَرِيب لَيْسَ من مُتَعَارَفِ الْأَقْوَالِ الْعَامَّةِ بَلْ هُوَ مِنْ أَقْوَالِ فُحُولِ الْبَلَاغَةِ فَلِذَلِكَ وُصِفَ بِالْغَرَابَةِ [1] أَيِ الْعِزَّةِ مِثْلُ قَوْلِهِمُ: «الصَّيْفُ ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ» وَقَوْلِهِمْ: «لَا يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ» وَسَتَعْرِفُ وَجْهَ ذَلِكَ.
وَلَمَّا شَاعَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَثَلِ (بِالتَّحْرِيكِ) عَلَى الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ الشَّأْنِ جَعَلَ الْبُلَغَاءُ إِذَا أَرَادُوا تَشْبِيهَ حَالَةٍ مُرَكَّبَةٍ بِحَالَةِ مُرَكَّبَةٍ أَعَنَى وَصْفَيْنِ مُنْتَزَعَيْنِ مِنْ مُتَعَدِّدٍ أَتَوْا فِي جَانِبِ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ مَعًا أَوْ فِي جَانِبِ أَحَدِهِمَا بِلَفْظِ الْمَثَلِ وَأَدْخَلُوا الْكَافَ وَنَحْوَهَا مِنْ حُرُوفِ التَّشْبِيهِ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْهُمَا وَلَا يُطْلِقُونَ ذَلِكَ عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَسِيطِ فَلَا يَقُولُونَ مَثَلُ فُلَانٍ كَمَثَلِ الْأَسَدِ وَقَلَّمَا شَبَّهُوا حَالًا مُرَكَّبَةً بِحَالٍ مُرَكَّبَةٍ مُقْتَصِرِينَ عَلَى الْكَافِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ [الرَّعْد: 14] بَلْ يَذْكُرُونَ لَفْظَ الْمَثَلِ فِي الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا نَحْوَ الْآيَةِ هُنَا، وَرُبَّمَا ذَكَرُوا لَفْظَ

[1] أَشرت بتفسير معنى الغرابة لدفع الْحيرَة الْوَاقِعَة فِي المُرَاد من قَول صَاحب «الْكَشَّاف» : «إِلَّا قولا فِيهِ غرابة إِلَخ» فقد فَسرهَا الطَّيِّبِيّ بغموض الْكَلَام وَكَونه نَادرا معنى ولفظا وَهَذَا لَا يطرد وَقد سكت عَنهُ الشارحان: السعد وَالسَّيِّد، وَقد حام حوله الخفاجي.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 303
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست