responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 290
صُورَةِ الْحَالِ كَأَنْ يُقَالَ قَائِلِينَ لِشَيَاطِينِهِمْ إِذَا خَلَوْا وَلَمْ نَحْمِلِ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذا خَلَوْا عَلَى الْحَالِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَضْمُونَ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ لَمَّا كَانَ صَالِحًا لِأَنْ يُعْتَبَرَ صِفَةً مُسْتَقِلَّةً دَالَّةً عَلَى النِّفَاقِ قُصِدَ بِالْعَطْفِ
اسْتِقْلَالُ كِلْتَيْهِمَا لِأَنَّ الْغَرَضَ تَعْدَادُ مَسَاوِيهِمْ فَإِنَّ مَضْمُونَ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا مُنَادٍ وَحْدُهُ بِنِفَاقِهِمْ فِي هَاتِهِ الْحَالَةِ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُهُ: وَإِذا لَقُوا الدَّالُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْأَصْلَ اتِّحَادُ مَوْقِعِ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَمَاثِلَتَيْنِ لَفْظًا.
وَلِمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي وَجْهِ الْعُدُولِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْحَالِ.
وَالشَّيَاطِينُ جَمْعُ شَيْطَانٍ، جَمْعُ تَكْسِيرٍ، وَحَقِيقَةُ الشَّيْطَانِ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُجَرَّدَةِ، طَبِيعَتُهَا الْحَرَارَةُ النَّارِيَّةُ وَهُمْ مِنْ جِنْسِ الْجِنِّ قَالَ تَعَالَى فِي إِبْلِيسَ: كانَ مِنَ الْجِنِّ [الْكَهْف: 50] وَقَدِ اشْتَهَرَ ذِكْرُهُ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ، وَيُطْلَقُ الشَّيْطَانُ عَلَى الْمُفْسِدِ وَمُثِيرِ الشَّرِّ، تَقُولُ الْعَرَبُ فُلَانٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَمِنْ شَيَاطِينِ الْعَرَبِ وَذَلِكَ اسْتِعَارَةٌ، وَكَذَلِكَ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى قَادَةِ الْمُنَافِقِينَ فِي النِّفَاقِ، قَالَ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ [الْأَنْعَام: 112] إِلَخْ.
وَوَزْنُ شَيْطَانٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْبَصْرِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ هُوَ فَيْعَالٌ مِنْ شَطَنَ بِمَعْنَى بَعُدَ لِأَنَّهُ أُبْعِدَ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَنِ الْجَنَّةِ فَنُونُهُ أَصْلِيَّةٌ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ فَعْلَانُ مِنْ شَاطَ بِمَعْنَى هَاجَ أَوِ احْتَرَقَ أَوْ بَطَلَ وَوَجْهُ التَّسْمِيَةِ ظَاهِرٌ. وَلَا أَحْسَبُ هَذَا الْخِلَافَ إِلَّا أَنَّهُ بَحْثٌ عَنْ صِيغَةِ اشْتِقَاقِهِ فَحَسْبُ أَيِ الْبَحْثُ عَنْ حُرُوفِهِ الْأُصُولِ وَهل إِن نُونُهُ أَصْلٌ أَوْ زَائِدٌ وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِنُحَاةِ الْكُوفَةِ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْوَصْفِ الَّذِي فِيهِ زِيَادَةُ الْأَلِفِ وَالنُّونِ مِثْلُ غَضْبَانَ، كَيْفَ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ مِنَ الصَّرْفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ [الْحجر: 17] . وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَيَرُدُّ عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ حَكَى أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ تَشَيْطَنَ إِذَا فَعَلَ الشَّيْطَانِ فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مِنْ شَطَنَ وَإِلَّا لَقَالُوا تَشَيَّطَ اهـ. وَفِي «الْكَشَّافِ» : جَعَلَ سِيبَوَيْهِ نُونَ شَيْطَانٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ أَصْلِيَّةً وَفِي آخَرَ زَائِدَةً اهـ.
وَالْوَجْهُ أَنَّ تَشَيْطَنَ لَمَّا كَانَ وَصْفًا مُشْتَقًّا مِنَ الِاسْمِ كَقَوْلِهِمْ تَنَمَّرَ أَثْبَتُوا فِيهِ حُرُوفَ الِاسْمِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ عَامَلُوهُ مُعَامَلَةَ الْجَامِدِ دُونَ الْمُشْتَقِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُشْتَقًّا مِمَّا اشْتُقَّ مِنْهُ الِاسْمُ بَلْ مِنْ حُرُوفِ الِاسْمِ فَهُوَ اشْتِقَاقٌ حَصَلَ بَعْدَ تَحْقِيقِ الِاسْتِعْمَالِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 290
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست