responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 29
وَسَمَاعُ جَمِيعِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مُحَالٌ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا مَسْمُوعًا لَتُرِكَ الْآخَرُ، أَيْ لَوْ كَانَ بَعْضُهَا مَسْمُوعًا لَقَالَ قَائِلُهُ إِنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ مَنْ خَالَفَهُ، فَتَبَيَّنَ عَلَى الْقَطْعِ أَنَّ كُلَّ مُفَسِّرٍ قَالَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ بِمَا ظَهَرَ لَهُ بِاسْتِنْبَاطِهِ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ» عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لَعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ إِلَخْ»
وَقَدْ
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ»
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْوِيلِ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ. وَقَدْ ذَكَرَ فُقَهَاؤُنَا فِي آدَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَنَّ التَّفَهُّمَ مَعَ قِلَّةِ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ بِلَا تَفَهُّمٍ، قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْإِحْيَاءِ» : «التَّدَبُّرُ فِي قِرَاءَتِهِ إِعَادَةُ النَّظَرِ فِي الْآيَةِ وَالتَّفَهُّمُ أَنْ يَسْتَوْضِحَ مِنْ كُلِّ آيَةٍ مَا يَلِيقُ بِهَا كَيْ تَتَكَشَّفَ لَهُ مِنَ الْأَسْرَارِ مَعَانٍ مَكْنُونَةٌ لَا تَتَكَشَّفُ إِلَّا لِلْمُوَفَّقِينَ» قَالَ: «وَمِنْ مَوَانِعِ الْفَهْمِ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَرَأَ تَفْسِيرًا وَاعْتَقَدَ أَنْ لَا مَعْنَى لِكَلِمَاتِ الْقُرْآنِ إِلَّا مَا تَنَاوَلَهُ النَّقْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مُجَاهِدٍ، وَأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ تَفْسِيرٌ بِالرَّأْيِ فَهَذَا مِنَ الْحُجُبِ الْعَظِيمَةِ» .
وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [19] «وَقَدْ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ إِذَا ذَكَرُوا وَجْهًا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فَذَلِك لَا يمنه الْمُتَأَخِّرِينَ مِنِ اسْتِخْرَاجِ وَجْهٍ آخَرَ فِي تَفْسِيرِهَا وَإِلَّا لَصَارَتِ الدَّقَائِقُ الَّتِي يَسْتَنْبِطُهَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِي التَّفْسِيرِ مَرْدُودَةً، وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ إِلَّا مُقَلِّدُ خُلْفٍ- بِضَمِّ الْخَاءِ» وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إِبْرَاهِيم: 42] هِيَ تَسْلِيَةٌ لِلْمَظْلُومِ وَتَهْدِيدٌ لِلظَّالِمِ، فَقِيلَ لَهُ مَنْ قَالَ هَذَا فَغَضِبَ وَقَالَ: إِنَّمَا قَالَهُ مَنْ عَلِمَهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْن الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَوَاصِمِ» إِنَّهُ أَمْلَى عَلَى سُورَةِ نُوحٍ خَمْسَمِائَةِ مَسْأَلَةٍ وَعَلَى قصَّة مُوسَى ثمامائة مَسْأَلَةٍ.
وَهَلِ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ التَّشْرِيعِيَّةِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي خِلَالِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى مِنْ قُرُونِ الْإِسْلَامِ إِلَّا مِنْ قَبِيلِ التَّفْسِيرِ لِآيَاتِ الْقُرْآنِ بِمَا لَمْ يَسْبِقْ تَفْسِيرُهَا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَهَذَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: تَطَلَّبْتُ دَلِيلًا عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ فَظَفِرْتُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً [النِّسَاء: 115] .
قَالَ شَرَفَ الدِّينِ الطِّيبِيُّ فِي «شَرْحِ الْكَشَّافِ» فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: «شَرْطُ التَّفْسِيرِ الصَّحِيحِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 29
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست