responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 263
الَّذِينَ اقْتَصَرُوا فِي قَوْلِهِمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُمْ لِغُلُوِّهِمْ فِي الْكُفْرِ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَذْكُرُوا الْإِيمَانَ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِثْقَالًا لِهَذَا الِاعْتِرَافِ فَيَقْتَصِرُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِيهَامًا لِلِاكْتِفَاءِ ظَاهِرًا وَمُحَافَظَةً عَلَى كُفْرِهِمْ بَاطِنًا لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ وَقَادَتَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ.
وَفِي التَّعْبِير بيقول فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ إِيمَاءٌ إِلَى أَن ذَلِك قَول غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَحْكِيَّ عَنِ الْغَيْرِ إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقِ الْغَرَضُ بِذِكْرِ نَصِّهِ وَحُكِيَ بِلَفْظِ يَقُولُ أَوْمَأَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِاعْتِقَادِهِ أَوْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ، فَفِيهِ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ وَجُمْلَةُ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَقُولُ أَيْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ فِي حَالِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ.
وَالْآيَةُ أَشَارَتْ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ كَانَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ وَبَعْضُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ وَبَقِيَّتُهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ الْمُجَاوِرِينَ لَهُمْ، وَرَدَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ أَسْمَائِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَهُوَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ، وَالْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَالْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدٍ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا [التَّوْبَة: 74] ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ الْيَهُودِيُّ وَلَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفُ الْيَهُودِ كَمَا فِي بَابِ السِّحْرِ مِنْ كِتَابِ الطِّبِّ مِنْ «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» ، وَالْأَخْنَسُ أُبَيُّ بْنُ شَرِيقٍ الثَّقَفِيِّ كَانَ يُظْهِرُ الْوُدَّ وَالْإِيمَانَ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ [الْبَقَرَة: 204] ، وَزَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ الْقَيْنُقَاعِيُّ وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمُخَشِّنُ بْنُ حِمْيَرٍ الْأَشْجَعِيُّ اللَّذَيْنِ كَانَا يُثَبِّطَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ زَيْدَ بْنَ اللُّصَيْتِ تَابَ وَحَسُنَ حَالُهُ، وَقِيلَ لَا، وَأَمَّا مُخَشِّنٌ فَتَابَ وَعَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَقُتِلَ شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة.
وَفِي كِتَابِ «الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ» لِابْنِ حَزْمٍ قَدْ ذَكَرَ قَوْمَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ الْأَوْسِيِّ مِنْ بَنِي
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي الْمُنَافِقِينَ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ حُضُورَهُ بَدْرًا يُبْطِلُ هَذَا الظَّنَّ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ يَوْمَ أُحُدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ فَلَمَزُوهُ بِالنِّفَاقِ فَإِنَّهُ الْقَائِلُ يَوْمَ أُحُدٍ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا [آل عمرَان: 154] ، رَوَاهُ عَنْهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ كَانَ مَغْمُوصًا بِالنِّفَاقِ. وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ أَبُو عَفَكَ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ظَهَرَ نِفَاقُهُ حِينَ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ وَقَالَ شِعْرًا يُعَرِّضُ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 263
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست