responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 260
الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّ الْفَائِدَةَ ظَاهِرَةٌ، فَوَجْهُ الْإِخْبَارِ بِقَوْلِهِمْ مِنَ النَّاسِ فِي نَحْوِ الْآيَةِ وَنَحْوِ قَوْلِ بَعْضِ أَعِزَّةِ الْأَصْحَابِ فِي تَهْنِئَةٍ لِي بِخُطَّةِ الْقَضَاءِ:
فِي النَّاسِ مَنْ أَلْقَى قِلَادَتَهَا إِلَى ... خَلَفٍ فَحَرَّمَ مَا ابْتَغَى وَأَبَاحَا
إِنَّ الْقَصْدَ إِخْفَاءُ مَدْلُولِ الْخَبَرِ عَنْهُ كَمَا تَقُولُ قَالَ هَذَا إِنْسَان وَذَلِكَ عِنْد مَا يَكُونُ الْحَدِيثُ يُكْسِبُ ذَمًّا أَوْ نُقْصَانًا، وَمِنْهُ
قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ»
وَقَدْ كَثُرَ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ تَنْبِيهًا لِلسَّامِعِ عَلَى عَجِيبِ مَا سَيُذْكَرُ، وَتَشْوِيقًا لِمَعْرِفَةِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْإِخْبَارُ وَلَوْ أُخِّرَ لَكَانَ مَوْقِعُهُ زَائِدًا لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُ لَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ إِنْسَانٍ كَقَوْلِ مُوسَى بْنِ جَابِرٍ الْحَنَفِيِّ:
وَمِنَ الرِّجَالِ أَسِنَّةٌ مَذْرُوبَةٌ ... وَمُزَنَّدُونَ وَشَاهِدٌ كَالْغَائِبِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَوْقِعَ مِنَ النَّاسِ مُؤْذِنٌ بِالتَّعَجُّبِ وَإِنَّ أَصْلَ الْخَبَرِ إِفَادَةُ أَنَّ فَاعِلَ هَذَا الْفِعْلِ مِنَ النَّاسِ لِئَلَّا يَظُنَّهُ الْمُخَاطَبُ مِنْ غَيْرِ النَّاسِ لِشَنَاعَةِ الْفِعْلِ، وَهَذَا بَعِيدٌ عَنِ الْقَصْدِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْدِيمِ فَائِدَةٌ بَلْ كَانَ تَأْخِيرُهُ أَوْلَى حَتَّى يَتَقَرَّرَ الْأَمْرُ الَّذِي يُوهِمُ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ، هَذَا تَوْجِيهُ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِظَاهِرِ الْإِخْبَارِ بِكَوْنِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ إِفَادَةَ ذَلِكَ حَيْثُ يَجْهَلُهُ الْمُخَاطَبُ كَقَوْلِكَ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ يَلْبَسُ بُرْقُعًا تُرِيدُ الْإِخْبَارَ عَنِ الْقَوْمِ الْمُدْعَوْنَ بِالْمُلَثَّمِينَ (مِنْ لَمْتُونَةَ) ، أَوْ حَيْثُ يُنَزَّلُ الْمُخَاطَبُ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِ كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزَّبِيرِ (بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْبَاءِ) :
وَفِي النَّاسِ إِنْ رَثَّتْ حِبَالُكَ وَاصِلُ ... وَفِي الْأَرْضِ عَنْ دَارِ الْقِلَى مُتَحَوَّلُ
إِذَا كَانَ حَالُ الْمُخَاطَبِينَ حَالَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَجِدُ مَنْ يَصِلُهُ إِنْ قَطَعَهُ هُوَ،
فَذِكْرُ مِنَ النَّاسِ وَنَحْوِهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَارِدٌ عَلَى أَصْلِ الْإِخْبَارِ، وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ هُنَا لِلتَّشْوِيقِ إِلَى اسْتِعْلَامِ الْمُبْتَدَأِ وَلَيْسَ فِيهِ إِفَادَةُ تَخْصِيصٍ. وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ النَّاسِ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهُمْ سَتُسَاقُ فِي شَأْنِهِمْ قِصَّةٌ مَذْمُومَةٌ وَحَالَةٌ شَنِيعَةٌ إِذْ لَا يُسْتَرُ ذِكْرُهُمْ إِلَّا لِأَنَّ حَالَهُمْ مِنَ الشناعة بِحَيْثُ يستحي الْمُتَكَلِّمُ أَنْ يُصَرِّحَ بِمَوْصُوفِهَا وَفِي ذَلِكَ مِنْ تَحْقِيرِ شَأْنِ النِّفَاقِ وَمَذَمَّتِهِ أَمْرٌ كَبِيرٌ، فَوَرَدَتْ فِي شَأْنِهِمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً نُعِيَ عَلَيْهِمْ فِيهَا خُبْثُهُمْ وَمَكْرُهُمْ، وَسُوءُ عَوَاقِبِهِمْ،

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 260
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست