responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 233
عَلَى رِوَايَةِ مُصَلُّوهُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ أَرَادَ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ عِنْدَ دَفْنِهِ مِنَ الْقُسُسِ وَالرُّهْبَانِ، إِذْ قَدْ كَانَ مُنْتَصِرًا وَمِنْهُ الْبَيْتُ السَّابِقُ. وَعَرَفُوا السُّجُودَ قَالَ النَّابِغَةُ:
أَوْ دُرَّةٌ صَدَفِيَّةٌ غَوَّاصُهَا ... بَهِجٌ مَتَى يَرَهَا يُهِلُّ وَيَسْجُدُ
وَقَدْ تَرَدَّدَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فِي اشْتِقَاقِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ قَوْمٌ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصَّلَا وَهُوَ عِرْقٌ غَلِيظٌ فِي وَسَطِ الظَّهْرِ وَيَفْتَرِقُ عِنْدَ عَجْبِ الذَّنَبِ فَيَكْتَنِفَهُ فَيُقَالُ: حِينَئِذٍ هُمَا صَلَوَانٌ، وَلَمَّا كَانَ الْمُصَلِّي إِذَا انْحَنَى لِلرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ تَحَرَّكَ ذَلِكَ الْعِرْقُ اشْتُقَّتِ الصَّلَاةُ مِنْهُ كَمَا يَقُولُونَ أَنِفَ مِنْ كَذَا إِذَا شَمَخَ بِأَنْفِهِ لِأَنَّهُ يَرْفَعُهُ إِذَا اشْمَأَزَّ وَتَعَاظَمَ فَهُوَ مِنَ الِاشْتِقَاقِ مِنَ الْجَامِدِ كَقَوْلِهِمُ اسْتَنْوَقَ الْجَمَلُ وَقَوْلِهِمْ تَنَمَّرَ فُلَانٌ، وَقَوْلِهَا: «زَوْجِي إِذَا دَخَلَ فَهِدَ وَإِذَا خَرَجَ أَسِدَ» [1] وَالَّذِي دَلَّ عَلَى هَذَا الِاشْتِقَاقِ هُنَا عَدَمُ صُلُوحِيَّةِ غَيْرِهِ فَلَا يُعَدُّ الْقَوْلُ بِهِ ضَعِيفًا لِأَجْلِ قِلَّةِ الِاشْتِقَاقِ مِنَ الْجَوَامِدِ كَمَا تَوَهَّمَهُ السَّيِّدُ.
وَإِنَّمَا أُطْلِقَتْ عَلَى الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ يُلَازِمُ الْخُشُوعَ وَالِانْخِفَاضَ وَالتَّذَلُّلَ، ثُمَّ اشْتَقُّوا مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ اسْمٌ جَامِدٌ صَلَّى إِذَا فَعَلَ الصَّلَاةَ وَاشْتَقُّوا صَلَّى مِنَ الصَّلَاةِ كَمَا اشْتَقُّوا صَلَّى الْفَرَسُ إِذَا جَاءَ مُعَاقِبًا لِلْمُجَلِّي فِي خَيْلِ الْحَلَبَةِ، لِأَنَّهُ يَجِيءُ مُزَاحِمًا لَهُ فِي السَّبْقِ،
وَاضِعًا رَأْسَهُ عَلَى صَلَا سَابِقِهِ وَاشْتَقُّوا مِنْهُ الْمُصَلِّي اسْمًا لِلْفَرَسِ الثَّانِي فِي خَيْلِ الْحَلَبَةِ، وَهَذَا الرَّأْيُ فِي اشْتِقَاقِهَا مُقْتَضَبٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ اعْتِمَادُهُ إِذْ لَمْ يَصْلُحُ لِأَصْلِ اشْتِقَاقِهَا غَيْرُ ذَلِكَ. وَمَا أَوْرَدَهُ الْفَخْرُ فِي «التَّفْسِيرِ» أَنَّ دَعْوَى اشْتِقَاقِهَا مِنَ الصَّلْوَيْنِ يُفْضِي إِلَى طَعْنٍ عَظِيمٍ فِي كَوْنِ الْقُرْآنِ حُجَّةً لِأَنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ مِنْ أَشَدِّ الْأَلْفَاظِ شُهْرَةً، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ تَحْرِيكِ الصَّلْوَيْنِ مِنْ أَبْعَدِ الْأَشْيَاءِ اشْتِهَارًا فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ، فَإِذَا جَوَّزْنَا أَنَّهُ خَفِيَ وَانْدَرَسَ حَتَّى لَا يَعْرِفَهُ إِلَّا الْآحَادُ لَجَازَ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ فَلَا نَقْطَعُ بِأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهَا إِلَى أَفْهَامِنَا فِي زَمَانِنَا هَذَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ مَوْضُوعَةً لَمَعَانٍ أُخَرَ خَفِيَتْ عَلَيْنَا اهـ يردهُ بِالِاسْتِعْمَالِ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظٌ مَشْهُورٌ مَنْقُولًا مِنْ معنى خَفِي لِأَنَّهُ الْعِبْرَةَ فِي الشُّيُوعِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَأَمَّا الِاشْتِقَاقُ فَبَحْثٌ عِلْمِيٌّ وَلِهَذَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: «وَاشْتِهَارُ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي مَعَ عَدَمِ اشْتِهَارِهِ فِي الْأَوَّلِ لَا يَقْدَحُ فِي نَقْلِهِ مِنْهُ» .

[1] فِي حَدِيث أم زرع.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 233
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست