responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 223
الْهُدَى أَيْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هُدًى عَلَى حَدِّ
قَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»
وَيَكُونُ خَبَرُ (لَا) مَحْذُوفًا لِظُهُورِهِ أَيْ لَا رَيْبَ مَوْجُودٌ، وَحَذْفُ الْخَبَرِ مُسْتَعْمَلٌ كَثِيرًا فِي أَمْثَالِهِ نَحْوَ: قالُوا لَا ضَيْرَ [الشُّعَرَاء: 50] وَقَوْلُ الْعَرَبِ لَا بَأْسَ، وَقَوْلُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ:
مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا ... فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لَا بَرَاحَ
أَيْ لَا بَقَاءَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مَجَازِيٌّ فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: لَا رَيْبَ وَفِي «الْكَشَّافِ» أَنَّ نَافِعًا وَعَاصِمًا وَقَفَا عَلَى قَوْلِهِ: رَيْبَ.
وَإِنْ كَانَتِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى الْكِتابُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ كَالْحَاضِرِ الْمُشَاهَدِ وَكَانَ قَوْلُهُ الْكِتابُ بَدَلًا مِنَ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِبَيَانِهِ فَالْمَجْرُورُ مِنْ قَوْلِهِ: فِيهِ ظَرْفُ لَغْوٍ مُتَعَلِّقٌ بِرَيْبَ وَخَبَرُ لَا مَحْذُوفٌ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْكَثِيرَةِ فِي مِثْلِهِ، وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ، فِيهِ مَعْنَى نَفْيِ وُقُوعِ الرَّيْبِ فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَفْيِ الشَّكِّ فِي أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ خِطَابُ الْمُرْتَابِينَ فِي صِدْقِ نِسْبَتِهِ إِلَى الله تَعَالَى وسيجيئ خِطَابُهُمْ
بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [الْبَقَرَة: 23] فَارْتِيَابُهُمْ وَاقِعٌ مُشْتَهِرٌ، وَلَكِنْ نَزَلَ ارْتِيَابُهُمْ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ لِأَنَّ فِي دَلَائِلِ الْأَحْوَالِ مَا لَوْ تَأَمَّلُوهُ لَزَالَ ارْتِيَابُهُمْ فَنَزَلَ ذَلِكَ الِارْتِيَابُ مَعَ دَلَائِلَ بُطْلَانِهِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ. قَالَ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» :
«وَيَقْلِبُونَ الْقَضِيَّةَ [1] مَعَ الْمُنْكِرِ إِذَا كَانَ مَعَهُ مَا إِنْ تَأَمَّلَهُ ارْتَدَعَ فَيَقُولُونَ لِمُنْكِرِ الْإِسْلَامِ:
الْإِسْلَامُ حَقٌّ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَقِّ الْقُرْآنِ: لَا رَيْبَ فِيهِ- وَكَمْ مِنْ شَقِيٍّ مُرْتَابٍ فِيهِ- وَارِدٌ عَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمُرَكَّبُ الدَّالُّ عَلَى النَّفْيِ الْمُؤَكَّدِ لِلرَّيْبِ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالرَّيْبِ لِمُشَابَهَةِ حَالِ الْمُرْتَابِ فِي وَهْنِ رَيْبِهِ بِحَالِ مَنْ لَيْسَ بِمُرْتَابٍ أَصْلًا عَلَى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ.
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ فَسَّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: لَا رَيْبَ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ ارْتِيَابًا فِي صِحَّتِهِ أَيْ لَيْسَ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَلَا اخْتِلَافٌ فَيَكُونُ الرَّيْبُ هُنَا مَجَازًا فِي سَبَبِهِ وَيَكُونُ الْمَجْرُورُ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا خَبَرَ (لَا) فَيَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النِّسَاء: 82] أَيْ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى كَلَامٍ يُوجِبُ الرِّيبَةَ فِي أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مِنْ كَلَامٍ يُنَاقِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا أَوْ كَلَامٍ يُجَافِي الْحَقِيقَةَ وَالْفَضِيلَةَ أَوُُْ

[1] أَي قَضِيَّة التَّأْكِيد للْخَبَر الموجه إِلَى مُنكر مَضْمُون الْخَبَر.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 223
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست