responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 214
أَنَّ الْخَطَّ تَعَلَّمُوهُ عَنْ أَهْلِ الْأَنْبَارِ وَالْحِيرَةِ، وَقِصَّةُ الْمُتَلَمِّسِ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ تُذَكِّرُنَا بِذَلِكَ إِذْ كَانَ الَّذِي قَرَأَ لَهُ الصَّحِيفَةَ غُلَامٌ مِنْ أُغَيْلِمَةِ الْحَيْرَةِ. وَلَقَدْ كَانَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ نَازِحَةِ الْقَحْطَانِيِّينَ، قَدْ تَنَاسَوُا الْكِتَابَةَ إِذْ كَانُوا أَهْلَ زَرْعٍ وَفُرُوسِيَّةٍ وَحُرُوبٍ، فَقَدْ وَرَدَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مَنْ يُحْسِنُ ذَلِكَ فَكَانَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ مِنَ الْأَسْرَى يُفْتَدَى
بِأَنْ يُعَلِّمَ عَشَرَةً مِنْ غِلْمَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْكِتَابَةَ فَتَعَلَّمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي جَمَاعَةٍ، وَكَانَتِ الشِّفَاءُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيَّةُ تُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَهِيَ عَلَّمَتْهَا لِحَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَيُوجَدُ فِي أَسَاطِيرِ الْعَرَبِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْكِتَابَةَ مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ فِي جِوَارِهِمْ فَقَدْ ذَكَرُوا قِصَّةً وَهِيَ أَنَّ الْمَحْضَ بْنَ جَنْدَلٍ مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ وَكَانَ مَلِكًا كَانَ لَهُ سِتَّةُ أَبْنَاءٍ وَهُمْ:
أَبْجَدُ، وَهَوَّزُ، وَحُطِّي، وَكَلَمُنُ، وَسَعْفَصُ، وَقَرَشْتُ، فَجَعَلَ أَبْنَاءَهُ مُلُوكًا عَلَى بِلَادِ مَدْيَنَ وَمَا حَوْلَهَا فَجَعَلَ أَبْجَدَ بِمَكَّة وَجعل هوزا وحطيا بِالطَّائِفِ وَنَجْدٍ، وَجَعَلَ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِينَ بمدين، وَأَن كلمنا كَانَ فِي زَمَنِ شُعَيْبٍ وَهُوَ مِنَ الَّذِينَ أَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ [1] قَالُوا فَكَانَتْ حُرُوفُ الْهِجَاءِ أَسْمَاءُ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ ثُمَّ أَلْحَقُوا بهَا ثخذ وضغط فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقِصَّةَ مَصْنُوعَةً لِتَلْقِينِ الْأَطْفَالِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ بِطَرِيقَةٍ سَهْلَةٍ تُنَاسِبُ عُقُولَهُمْ وَتَقْتَضِي أَنَّ حُرُوفَ ثَخَذْ وَضَغَظْ لَمْ تَكُنْ فِي مُعْجَمِ أَهْلِ مَدْيَنَ فَأَلْحَقَهَا أَهْلُ الْحِجَازِ، وَحَقًّا إِنَّهَا مِنَ الْحُرُوفِ غَيْرِ الْكَثِيرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا الْمَوْجُودَةِ فِي كُلِّ اللُّغَاتِ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُبْعِدُهُ عَدَمُ وُجُودِ جَمِيعِ الْحُرُوفِ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ بَلِ الْمَوْجُودُ نِصْفُهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ كَلَامِ «الْكَشَّافِ» .
الْقَوْلُ السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّهَا حُرُوفٌ قُصِدَ مِنْهَا تَنْبِيهُ السَّامِعِ مِثْلَ النِّدَاءِ الْمَقْصُودِ بِهِ التَّنْبِيهُ فِي قَوْلك يافتى لِإِيقَاظِ ذِهْنِ السَّامِعِ قَالَهُ ثَعْلَبٌ وَالْأَخْفَشُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ كَمَا يَقُولُ فِي إِنْشَادِ أَشْهَرِ الْقَصَائِدِ لَا وَبَلْ لَا، قَالَ الْفَخْرُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ: إِنَّ الْحَكِيمَ إِذَا

[1] الظلة: السحابة وَقد أَصَابَتْهُم صواعق فَذكرُوا أَن حَارِثَة ابْنة كلمن قَالَت ترثي أَبَاهَا:
كلمن هدم ركني ... هلكه وسط الْمحلة
سيد الْقَوْم أَتَاهُ ال ... حتف نَارا وسط ظله
كونت نَارا وأضحت ... دَار قومِي مضمحلة
ومسحة التوليد ظَاهِرَة على هاته الأبيات.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 214
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست