responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 144
فِي «سُنَنِهِ» وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: «مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى بَرَاءَةَ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ وَإِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي فَجَعَلْتُمُوهُمَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ وَلَمْ تكْتبُوا بَينهمَا سطرا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ، قَالَ عُثْمَانُ كَانَ النَّبِيءُ لَمَّا تَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ وَيَقُولُ لَهُ ضَعْ هَذِهِ الْآيَةَ بِالسُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، أَوْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ فَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَّلِ مَا أُنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ هُنَاكَ وَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» .
وَأَرَى فِي هَذَا دَلَالَةً بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَمْ تُكْتَبْ بَيْنَ السُّوَرِ غَيْرَ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةَ إِلَّا حِينَ جُمِعَ الْقُرْآنُ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ زَمَنَ عُثْمَانَ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَةً فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ فِي الصُّحُفِ الَّتِي جَمَعَهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ إِذْ كَانَتْ لِكُلِّ سُورَةٍ صَحِيفَةٌ مُفْرَدَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ.
وَعَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهَا آيَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرِ بَرَاءَةَ، أَوْ آيَةً مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ، أَوْ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ أَوَّلِ شَيْءٍ مِنَ السُّوَرِ فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اتَّفَقُوا عَلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي قِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ أَوَّلِهَا غَيْرِ بَرَاءَةَ. وَرَوَوْا ذَلِكَ عَمَّنْ تَلَقَّوْا، فَأَمَّا الَّذِينَ مِنْهُمْ يَرْوُونَ اجْتِهَادًا أَوْ تَقْلِيدًا أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مَنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرِ بَرَاءَةَ، فَأَمْرَهُمْ ظَاهِرٌ، وَقِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَاجِبَةٌ عِنْدَهُمْ لَا مَحَالَةَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَأَمَّا الَّذِينَ لَا يَرْوُونَ الْبَسْمَلَةَ آيَةً مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ كُلِّهَا أَوْ مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُمُ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي قِرَاءَةِ سُورَةٍ غَيْرِ مَسْبُوقَةٍ بِقِرَاءَةِ سُورَةٍ قَبْلَهَا تَعَلَّلَ بِالتَّيَمُّنِ بِاقْتِفَاءِ أَثَرِ كُتَّابِ الْمُصْحَفِ، أَيْ قَصْدَ التَّشَبُّهِ فِي مُجَرَّدِ ابْتِدَاءِ فِعْلٍ تَشْبِيهًا لِابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ بِابْتِدَاءِ الْكِتَابَةِ. فَتَكُونُ قِرَاءَتُهُمُ الْبَسْمَلَةَ أَمْرًا مُسْتَحَبًّا لِلتَّأَسِّي فِي الْقِرَاءَةِ بِمَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ الْكَاتِبُونَ لِلْمُصْحَفِ، فَقِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ نَظِيرُ النُّطْقِ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَنَظِيرُ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ بَيْنَ بَعْضِ السُّوَرِ مِنْ آخِرِ الْمُفَصَّلِ، وَلَا يُبَسْمِلُونَ فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ الْفَرِيضَةِ، وَهَؤُلَاء إِذا قرأوا فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ تَجْرِي قِرَاءَتُهُمْ عَلَى مَا انْتَهَى إِلَيْهِ فَهْمُهُمْ مِنْ أَمْرِ الْبَسْمَلَةِ مِنِ اجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ قِرَاءَتِهِمْ قَوْلٌ لَهُمْ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 144
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست