responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 127
وَقَوْلِ شَاعِرِهِمْ:
أَحْلَامُ عَادٍ وَأَجْسَامٌ مُطَهَّرَةٌ ... وَقَوْلِ آخَرَ:

تَرَاهُ يَطُوفُ الْآفَاقَ حِرْصًا ... لِيَأْكُلَ رَأْسَ لُقْمَانَ بْنِ عَادِ
وَلَكِنَّهُمْ لَا يَأْبَهُونَ بِذِكْرِ قِصَصِ الْأُمَمِ الَّتِي هِيَ مَوَاضِعُ الْعِبْرَةِ، فَجَاءَ الْقُرْآنُ بِالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ تَفْصِيلًا كَقَوْلِهِ: وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ [الْأَحْقَاف: 21] وَكَقَوْلِهِ:
فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت: 13] وَلِهَذَا يَقِلُّ فِي الْقُرْآنِ التَّعَرُّضُ إِلَى تَفَاصِيلِ أَخْبَارِ الْعَرَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَهُمْ مَعْلُومٌ لَدَيْهِمْ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ قَلِيلٌ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ عَلَى مَعْنَى الْعِبْرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ بِخَبَرِ عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ تُبَّعٍ، كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ السَّابِعَةِ فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ الْعِلْمِيِّ فَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يَكْفِي لِإِدْرَاكِهِ فَهْمُهُ وَسَمْعُهُ، وَقِسْمٌ يُحْتَاجُ إِدْرَاكُ وَجْهِ إِعْجَازِهِ إِلَى الْعِلْمِ بِقَوَاعِدِ الْعُلُومِ فَيَنْبَلِجُ لِلنَّاسِ شَيْئًا فَشَيْئًا انْبِلَاجَ أَضْوَاءِ الْفَجْرِ عَلَى حَسَبِ مَبَالِغِ الْفُهُومِ وَتَطَوُّرَاتِ الْعُلُومِ، وَكِلَا الْقِسْمَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ جَاءَ بِهِ أُمِّيٌّ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُعَالِجْ أَهْلُهُ دَقَائِقَ الْعُلُومِ، وَالْجَائِي بِهِ ثَاوٍ بَيْنَهُمْ لَمْ يُفَارِقْهُمْ. وَقَدْ أَشَارَ الْقُرْآنُ إِلَى هَذِهِ الْجِهَةِ مِنَ الْإِعْجَازِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ: [49- 50] قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ ثُمَّ إِنَّهُ مَا كَانَ قَصَارَاهُ مُشَارَكَةَ أَهْلِ الْعُلُومِ فِي عُلُومِهِمُ الْحَاضِرَةِ، حَتَّى ارْتَقَى إِلَى مَا لَمْ يَأْلَفُوهُ وَتَجَاوَزَ مَا دَرَسُوهُ وَأَلَّفُوهُ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [27] :
«كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ إِنَّ الْقُرْآنَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَلْفَاظٍ يَفْهَمُهَا الْعَوَامُّ وَأَلْفَاظٍ يَفْهَمُهَا الْخَوَاصُّ وَعَلَى مَا يَفْهَمُهُ الْفَرِيقَانِ وَمِنْهُ هَذِهِ الْآيَةُ فَإِنَّ الْإِيلَاجَ يَشْمَلُ الْأَيَّامَ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا إِلَّا الْخَوَاصُّ وَالْفُصُولَ الَّتِي يُدْرِكُهَا سَائِرُ الْعَوَامِّ» أَقُولُ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [الْأَنْبِيَاء: 30] .
فَمِنْ طُرُقِ إِعْجَازِهِ الْعِلْمِيَّةِ أَنَّهُ دَعَا لِلنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، قَالَ فِي «الشِّفَاءِ» : «وَمِنْهَا جَمْعُهُ لِعُلُومٍ وَمَعَارِفَ لَمْ تُعْهَدْ لِلْعَرَبِ، وَلَا يُحِيطُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَمِ، وَلَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا كِتَابٌ مِنْ كُتُبِهِمْ فَجَمَعَ فِيهِ مِنْ بَيَانِ عَلَمِ الشَّرَائِعِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى طَرْقِ الْحُجَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالرَّدِّ عَلَى فِرَقُُِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 127
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست