responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 125
وَذَكَرَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَفَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ مَا جَاءَ بِوَعِيدٍ إِلَّا أَعْقَبَهُ بِوَعْدٍ، وَمَا جَاءَ بِنِذَارَةٍ إِلَّا أَعْقَبَهَا بِبِشَارَةٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِأُسْلُوبِ الِاسْتِطْرَادِ وَالِاعْتِرَاضِ لِمُنَاسَبَةِ التَّضَادِّ، وَرَأَيْتُ مِنْهُ قَلِيلًا فِي شِعْرِ الْعَرَبِ كَقَوْلِ لَبِيدٍ:
فَاقْطَعْ لُبَانَةَ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ ... فَلَشَرُّ وَاصِلِ خُلَّةٍ صَرَّامُهَا

وَاحْبُ الْمُجَامِلَ بِالْجَزِيلِ وَصَرْمُهُ ... بَاقٍ إِذَا ظَلِعَتْ وَزَاغَ قِوَامُهَا
وَفِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ تَعَالَى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ [الصافات: 50، 51] الْآيَةَ: «جِيءَ بِهِ مَاضِيًا عَلَى عَادَةِ اللَّهِ فِي أَخْبَارِهِ» . وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ مِنْ سُورَةِ الْعُقُودِ [109] : «عَادَةُ هَذَا الْكِتَابِ الْكَرِيمِ أَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ الشَّرَائِعِ وَالتَّكَالِيفِ أَتْبَعَهَا إِمَّا بِالْإِلَهِيَّاتِ وَإِمَّا بِشَرْحِ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ مُؤَكِّدًا لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التَّكَالِيفِ وَالشَّرَائِعِ» .
وَقَدِ اسْتَقْرَيْتُ بِجُهْدِي عَادَاتٍ كَثِيرَةً فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا، وَمِنْهَا أَنَّ كَلِمَةَ هَؤُلَاءِ إِذَا لَمْ يَرِدْ بَعْدَهَا عَطْفُ بَيَانٍ يُبَيِّنُ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ فَإِنَّهَا يُرَادُ بِهَا
الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ [الزخرف: 29] وَقَوْلِهِ:
فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ [الْأَنْعَام: 89] وَقَدِ اسْتَوْعَبَ أَبُو الْبَقَاءِ الْكُفُوِيُّ فِي كِتَابِ «الْكُلِّيَّاتِ» فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِهِ كُلِّيَّاتٍ مِمَّا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَعَانِي الْكَلِمَاتِ، وَفِي «الْإِتْقَانِ» لِلسُّيُوطِيِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدِ اسْتَقْرَيْتُ أَنَا مِنْ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ إِذَا حَكَى الْمُحَاوَرَاتِ وَالْمُجَاوَبَاتِ حَكَاهَا بِلَفْظِ قَالَ دُونَ حُرُوفِ عَطْفٍ، إِلَّا إِذَا انْتَقَلَ مِنْ مُحَاوَرَةٍ إِلَى أُخْرَى، انْظُرْ قَوْلَهُ تَعَالَى:
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها إِلَى قَوْلِهِ: أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ [الْبَقَرَة: 30- 33] .
وَأَمَّا الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ جِهَاتِ الْإِعْجَازِ وَهِيَ مَا أَوْدَعَهُ مِنَ الْمَعَانِي الْحِكَمِيَّةِ وَالْإِشَارَاتِ الْعِلْمِيَّةِ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ سِوَى الشِّعْرِ وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْأَخْبَارِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «كَانَ الشِّعْرُ عِلْمَ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ أَصَحُّ مِنْهُ» .

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 125
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست