responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 102
كَمَا يُفْلَى عَنِ النَّارِ الرَّمَادُ، وَإِنَّ عَلَاقَةَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ بِالتَّفْسِيرِ هِيَ أَنَّ مُفَسِّرَ الْقُرْآنِ لَا يُعَدُّ تَفْسِيرُهُ لِمَعَانِي الْقُرْآنِ بَالِغًا حَدَّ الْكَمَالِ فِي غَرَضِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَمِلًا عَلَى بَيَانِ دَقَائِقَ مِنْ وُجُوهِ الْبَلَاغَةِ فِي آيِهِ الْمُفَسَّرَةِ بِمِقْدَارِ مَا تَسْمُو إِلَيْهِ الْهِمَّةُ مِنْ تَطْوِيلٍ وَاخْتِصَارٍ، فَالْمُفَسِّرُ بِحَاجَةٍ إِلَى بَيَانِ مَا فِي آيِ الْقُرْآنِ مِنْ طُرُقِ الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ وَخَصَائِصِ بَلَاغَتِهِ وَمَا فَاقَتْ بِهِ آيُ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ حَسْبَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ لِئَلَّا يَكُونَ الْمُفَسِّرُ حِينَ يُعْرِضُ عَنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَرْجِمِ لَا بِمَنْزِلَةِ الْمُفَسِّرِ.
فَمِنْ أَعْجَبِ مَا نَرَاهُ خُلُوُّ مُعْظَمِ التَّفَاسِيرِ عَنِ الِاهْتِمَامِ بِالْوُصُولِ إِلَى هَذَا الْغَرَضِ الْأَسْمَى إِلَّا عُيُونَ التَّفَاسِيرِ، فَمِنْ مُقِلٍّ مِثْلَ «مَعَانِي الْقُرْآنِ» لِأَبِي إِسْحَاق الزّجاج و «المحرّر الْوَجِيزِ» لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْحَقِّ بْنِ عَطِيَّةَ الْأَنْدَلُسِيِّ، وَمِنْ مُكْثِرٍ مِثْلَ «الْكَشَّافِ» . وَلَا يُعْذَرُ فِي الْخُلُوِّ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا التَّفَاسِيرُ الَّتِي نَحَتْ نَاحِيَةً خَاصَّةً مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ مِثْلَ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ، عَلَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ لَمْ يُهْمِلْ هَذَا الْعِلْقَ النَّفِيسَ كَمَا يَصِفُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كِتَابَ «أَحْكَامُ الْقُرْآنِ» لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ الْمَالِكِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَكَمَا نَرَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ «أَحْكَامِ الْقُرْآنِ» لِأَبِي بَكْرِ ابْن الْعَرَبِيِّ.
ثُمَّ إِنَّ الْعِنَايَةَ بِمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ بَيَانِ وُجُوهِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ إِنَّمَا نَبَعَتْ مِنْ مُخْتَزَنِ أَصْلٍ كَبِيرٍ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ كَوْنُهُ المعجزة الْكُبْرَى للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَوْنُهُ الْمُعْجِزَةَ الْبَاقِيَةَ، وَهُوَ الْمُعْجِزَةُ الَّتِي تَحَدَّى بِهَا الرَّسُولُ مُعَانِدِيهِ تَحَدِّيًا صَرِيحًا. قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ [العنكبوت: 50، 51] وَلَقَدْ تَصَدَّى لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي كِتَابٍ لَهُ سَمَّاهُ أَوْ سُمِّيَ «إِعْجَازَ الْقُرْآنِ» وَأَطَالَ، وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بُنِيَتْ عَلَى مُعْجِزَةِ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أُيِّدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةٍ إِلَّا أَنَّ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ قَامَتْ فِي أَوْقَاتٍ وَأَحْوَالٍ وَمَعَ نَاسٍ خَاصَّةٍ وَنُقِلَ بَعْضُهَا مُتَوَاتِرًا وَبَعْضُهَا نُقِلَ نَقْلًا خَاصًّا، فَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ مُعْجِزَةٌ عَامَّةٌ، وَلُزُومُ الْحُجَّةِ بِهِ بَاقٍ مِنْ أَوَّلِ وُرُودِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ وَجْهُ إِعْجَازِهِ مِنْ عَجْزِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ فَيُغْنِي ذَلِكَ عَنْ نَظَرٍ مُجَدَّدٍ، فَكَذَلِكَ عَجَزَ أَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ التَّالِيَةِ عَنِ النَّظَرِ فِي حَالِ عَجْزِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ مِنْ نَصِّ
الْقُرْآنِ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ تَتَحَدَّى

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 102
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست