اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 382
ولما قال عليه الصلاة والسلام لليهود: «أنا على ملة إبراهيم» . - كما تقدم- قالوا: كيف تكون على ملة إبراهيم، وأنت تأكل لحوم الإبل وإلبانها؟، وكان ذلك حراما على إبراهيم، فأنزل الله تعالى:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 93 الى 95]
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)
قلت: (إسرائيل) : هو يعقوب عليه السلام.
يقول الحق جلّ جلاله: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حلالاً على بني إسرائيل، كما كان حلالاً على الأنبياء كلهم، إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ أي: يعقوب، عَلى نَفْسِهِ، كلحوم الإبل وألبانها، قيل: كان به عرق النسا [1] ، فنذر:
إن شفاه الله لم يأكل أحب الطعام إليه، وكان ذلك أحب الطعام إليه. وقيل: فعل ذلك للتداوي بإشارة الأطباء، فترك ذلك بنوه ولم يحرم عليهم في التوراة، وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم.
فالطعام كله كان حلالاً على بني إسرائيل وعلى الأنبياء كلهم قبل نزول التوراة، فلما نزلت التوراة حرم الله عليهم أشياء من الطيبات لظلمهم وبغيهم، فإن ادعوا أن لحوم الإبل كانت حراماً على إبراهيم، وأن كل ما حرم عليهم كان حراماً على إبراهيم وعلى الأنبياء قبله، فقل لهم: كذبتم فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها هل تجدون ذلك فيها؟ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في قولكم: إنَّ كل شيء حرم عليكم كان حراماً على إبراهيم. رُوِيَ: أنه- عليه الصلاة والسلام- لما قال لهم ذلك بهتوا، ولم يجسروا أن يأتوا بالتوراة، فتبين افتراؤهم على الله فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
بزعمه أن الله حرَّم لحوم الإبل وألبانها قبل نزول التوراة، مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
البيان وإلزامهم الحجة، فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
المكابرون بالباطل بعد ما وضَح الحق.
قُلْ لهم يا محمد: صَدَقَ اللَّهُ فيما أنزل، وكذبتم فيما قلتم، فتبين أن ملة إبراهيم هي الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فأسلموا، واتبعوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، فإن ملة الإسلام موافقة لملة إبراهيم، أو عينُها، فادخلوا فيه وتخلصوا من اليهودية التي اضطرتكم إلى التحريف والمكابرة، وألزمَتْكُم تحريمَ طيباتٍ أحلها الله لإبراهيم ومن تبعه، وقد خالفتم التوراة التي زعمتم أنكم متمسكون بها، وأشركتم مع الله عزيراً وغيره، وقد كان إبراهيم حنيفاً مسلماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. [1] النساء: العصب الوركى، وهو عصب يمتد من الورك إلى الكعب، وهو الذي يأخذه المرض.
اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 382