responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة    الجزء : 1  صفحة : 270
«فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ» ، وقوله: «لاَ يورد مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» ، فهو محمول على حسم المادة، وسد الذريعة لئلا يحدث للمخالط شيء من ذلك، فيظنه بسبب المخالطة، فيثبت العدوى التي نفاها الشارع، هذا المختار في الجمع بين الحديثين. والله تعالى أعلم. وإنما أطلت في المسألة لِمَسْ الحاجة لأن التأليف وقع في زمن الوباء، حفظنا الله من وبالها.
وقيل: إن الذين خرجوا من ديارهم قوم من بني إسرائيل، أُمروا بالجهاد، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد، فخرجوا من ديارهم فراراً من ذلك، فأماتهم الله ليعرفهم أنهم لا ينجيهم من الموت شيء، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد، بقوله: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية. وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ حيث أنزل بهم رحمته، ففروا منها، ولم يعاقبهم، حيث أحياهم بعد موتهم، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ إذ لا يفهم النعم في طي النقم إلا القليل، فيشكروا الله في السراء والضراء.
الإشارة: ألم ترَ أيها السامع إلى الذين خرجوا من ديار عوائدهم وأوطان شهواتهم، وهم جماعة أهل التجريد، القاصدين إلى صفاء التوحيد، والغرق في بحر التفريد، حذراً من موت أرواحهم بالجهل والفَرْقِ، فاصطفاهم الله لحضرته، وجذبهم إلى مشاهدة ذاته، فقال لهم الله: موتوا عن حظوظكم، وغيبوا عن وجودكم، فلما ماتوا عن حظوظهم، وغابوا عن وجودهم، أحياهم الله بالعلم والمعرفة، إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ حيث فتح لهم باب السلوك، وهيأهم لمعرفة ملك الملوك، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ حيث تجلّى لهم، وعرَّفهم به، وهم لا يشعرون، إلا من فتح الله بصيرتهم، وقليل ما هم.
ثم حرّض الحق تعالى المؤمنين على الجهاد، فقال:

[سورة البقرة (2) : آية 244]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)
يقول الحق جلّ جلاله: وَقاتِلُوا الكفار فِي سَبِيلِ اللَّهِ وإعلاء كلمة الله حتى يكون الدين كله لله، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لأقوالكم ودعائكم، عَلِيمٌ بنياتكم وإخلاصكم، فيجازي المخلصين، ويحرم المخلطين.
الإشارة: وجاهدوا نفوسكم في طريق الوصول إلى الله، وأديموا السير إلى حضرة الله، فحضرة القدوس محرمة على أهل النفوس. قال الششتري:
إنْ تُرِدَ وَصْلَنَا فَمَوْتكَ شَرْطٌ ... لا يَنَالُ الوِصَالَ مَنْ فِيه فَضْلَه

اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة    الجزء : 1  صفحة : 270
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست