اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 242
الإشارة: الإنفاق على قسمين: حسىّ ومعنوى، الإنفاق الحسيّ هو بذل الأموال والفلوس، والإنفاق المعنوي هو بذل الأرواح والنفوس، فمن بذل أمواله لله عوضه الله جنة الزخارف، ومن بذل نفسه لله عوضه الله جنة المعارف، ومن دخل جنة المعارف لا يشتاق إلى جنة الزخارف، وكما أن لنفقة الأموال محلا تصرف فيه، كما ذكره الحقّ تعالى هنا، كذلك لنفقة النفوس محل تصرف فيه وهو خدمة الشيوخ العارفين بالله، والإخوان الذين يستعين بهم على الوصول إلى الله، وكذلك من احتاج إليه من اليتامى الذين لا شيخ لهم، فيرشدهم وينصحهم، والمساكين الضعفاء الذين لا قدرة لهم على مجاهدة نفوسهم، فيقويهم بحاله أو مقاله، والغريب الذي انفرد عن الإخوان، ولم يجد ما يستعين به على سيره فيرشده إلى الصحبة والاجتماع بأهل المحبة، وإلى هذا المنزع أشار الشيخ أبو مدين رضي الله عنه:
وَبالتغنِّي عَلى الإخوَانِ جُدْ أبَدا ... حِسّاً ومعنىً، وغُضَّ الطَّرْفَ إنْ عَثَرَا
ولمَّا ذكر الحق جلّ جلاله قواعد الإسلام، وهي الصلاةُ والزكاة والصوم والحج، بعد أن أشار إلى كلمة التوحيد بقوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، ذكر الجهاد- الذي هو حفظ نظامه- فقال:
[سورة البقرة (2) : آية 216]
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)
قلت: الكره- بالضم-: اسم لما يَشُقُّ على النفس، وبالفتح المَصْدَر.
يقول الحق جلّ جلاله: فُرض عليكم الجهاد، وهو شاق عليكم، تكرهه نفوسكم، وفيه خير كبير لكم، وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، ففي الجهاد نصر دينكم، وإعلاء كلمة إسلامكم، والغنيمة والظّفْرُ بعدوكم، والأجر الكبير عند ربكم، من مات كان شهيداً، ومن عاش عاش سعيداً، وكذلك بقية التكاليف، فإن النفس تكره الإقدام عليها، وهي مَنَاط صلاحها، وسبب فلاحها، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ فقد تحبون الراحة وترك الجهاد وفي ذلك ذُلُّكُمْ، وظهورُ العدو عليكم، وفوات الأجر من ربكم، وحرمان درجة الشهادة عند ربكم. وكذلك جميع المنهيات فإن النفس تحبها بالطبع، وتَشْرَهُ إليها، وهي تُفضي بها إلى ذلها وهوانها، وعبَّر الحقّ سبحانه بعسى لأن النفس إذا ارتاضت انعكس الأمر عليها، فيخف عليها أمر الطاعة، ويصعب عليها أمر المخالفة، وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فيه مصلحتكم، وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ لجهلكم بعواقب أموركم.
اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 242