اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 128
الظاهر يؤخذ مثله على الخصوص باعتبار الباطن، فقد أخذ الحق سبحانه العهد على المتوجهين إليه ألا تتوجه همتهم إلا إليه، ولا يعتمدون بقلوبهم إلا عليه، وأن يتخلقوا بالإحسان، مع الأقارب والأجانب وكافة الإخوان، وخصوصاً الوالدين من قِبل البشرية أو الروحانية، وهم أهل التربية النبوية، فحقوق أب الروحانية تُقدم على أب البشرية، لأنَّ أب البشرية كان سبباً في خروجه إلى دار الفناء والهوان، وأب الروحانية كان سببًا في دخوله إلى رَوْحٍ وريحان.
وأخذ العهد على المتوجهين أن يكلموا الناس بالملاطفة والإحسان، ويرشدوهم إلى الكريم المنان، ويقيموا الصلاة بالجوارح والقلوب، ويؤدوا زكاة نفوسهم بتطهيرها من العيوب، فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون، وعن دائرة الولاية خارجون.
ثم وبّخهم على نقض عهد آخر، فقال:
[سورة البقرة (2) : الآيات 84 الى 85]
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
قلت: (ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء) «أنتم» : مبتدأ، و «هؤلاء» : خبر، و «تَقْتُلُون» : حال، كقولك: أنت ذلك الرجل الذي فعلت كذا وكذا، أو «هَؤُلاءِ» : بدل، و «تَقْتُلُونَ» : خبر أو منادي، أي: يا هؤلاء، أو منصوب على الاختصاص، والْعُدْوَانِ: الإفراط في الظلم، و «أسارى» حال، جمع أسير، ويجمع على أًسرى، وقرئ به أي:
مأسورين، و «هُوَ» ضمير الشأن، و «مُحَرَّمٌ» خبر، و «إِخْرَاجُهُمْ» مبتدأ مؤخر، أو ضمير الإخراج فيكون مبتدأ، و «مُحَرَّمٌ» خبره، و «إِخْرَاجُهُمْ» بدل من الضمير، وهذه الجملة متصلة بقوله: وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ، وما قبلها اعتراض.
يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكروا أيضا إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وقلنا لكم لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ أي: لا يسفك بعضكم دم بعض، وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أي: لا يخرج أحدكم أخاه من داره
اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 128