اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 119
فلما رأوا جدَّه قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ، هل هي كبيرة أو صغيرة أو متوسطة؟ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لاَّ فارِضٌ أي: كبيرة، وَلا بِكْرٌ أي: ولا صغيرة، عَوانٌ متوسطة بين ما ذكر من الصغر والكبر، فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ، فإن الله يُبين لكم القاتل، قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها، أهي حمراء أو سوداء أو صفراء؟ قالَ إِنَّهُ تعالى يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها ناصع صفرتها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ لسمنها وبهجة لونها، قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ، فإن البقر الصفر كثير، وقد تشابه علينا أمرها؟ قالَ إِنَّهُ تعالى يقول: إنها مسلمة من العمل ليست ذلولاً، أي: مذللة بالعمل لا تُثِيرُ أي: تقلب الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ بالسانية [1] . مُسَلَّمَةٌ من العيوب كلها، لاَّ شِيَةَ فِيها أي: لا رقم فيها يخالف الصفرة.
فلما تبين لهم الأمر قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ الواضح، فوجدوها عند شاب كان بيد أمه، قد استودعها له أبوه في غيضة [2] ، فاشتروها منه بملء جلدها ذهباً، أو بوزنها، فَذَبَحُوها، وضربوا القتيل بجزء منها، فجلس وعروقه تسيل دماً، وقال: قتلني ابن عم لي، ثم رجع، وَما كادُوا يَفْعَلُونَ لكثرة ترددهم، أو لفحش غلوها. قال عليه الصلاة والسلام: «لو ذبحوا أدنى بقرة لكفتهم لكن شددوا فشدد الله عليهم» .
ثم ذكر أول القصة، فقال:
[سورة البقرة [2] : الآيات 72 الى 73]
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
قلت: حق هذه الآية أن تتقدم قبل قوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ... وإنما أخَّرها الحق تعالى ليتوجه العتاب إليهم مرتين على ترك المسارعة لامتثال أمر نبيهم، وعلى قتل النفس، ولو قدمها لكانت قصة واحدة بتوبيخ واحد.
يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكروا إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً حرصاً على الدنيا فَادَّارَأْتُمْ أي: تدافعتم في شأنها، كل قرية تدفع عنها، وَاللَّهُ تعالى مُخْرِجٌ ومبين مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ من القتل، ومن قتله، فَقُلْنا
: اضربوا القتيل أو قبره بِبَعْضِها
قيل: اللسان، وقيل: القلب، وقيل: الفخد أو الذنب، فضربوه فحيى، وأخبر بقاتله كما تقدم، كَذلِكَ
أي: كما أحيا هذا القتيل، يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
من قبورها وَيُرِيكُمْ آياتِهِ
الدالة على قدرته، لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
فتعلمون أنَّ مَن قَدَر على إحياء نفس واحدة يقدر على إحياء الأنفس كلها. [1] السانية: الساقية. [2] الموضع الذي يكثر فيه الشجر.
اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 119