responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 94
وَأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ:
وَكُنْتُ كَذَاتِ الضَّيِّ لَمْ تَدْرِ إِذْ بَغَتْ ... تُؤَامِرُ نَفْسَيْهَا أَتَسْرِقُ أَمْ تَزْنِي
فَفِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ قَدْ جُعِلَ لِلشَّخْصِ نَفْسَيْنِ عَلَى مَعْنَى الْخَاطِرَيْنِ، وَلَهَا جِنْسَيْنِ، أَوْ يَكُونُ فَاعَلُ بِمَعْنَى فَعَلَ، فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقِرَاءَةِ: وَمَا يَخْدَعُونَ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: خَادَعْتُ الرَّجُلَ، أَعْمَلْتُ التَّحَيُّلَ عَلَيْهِ فَخَدَعْتُهُ، أَيْ تَمَّتْ عَلَيْهِ الْحِيلَةُ وَنَفَذَ فِيهِ الْمُرَادُ، خِدَعًا، بِكَسْرِ الْخَاءِ فِي الْمَصْدَرِ وَخَدِيعَةً، حَكَاهُ أَبُو زَيْدٍ. فَالْمَعْنَى: وَمَا يَنْفُذُ السُّوءُ إِلَّا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالْأَنْفُسِ هُنَا: ذَوَاتِهِمْ. فَالْفَاعِلُ هُوَ الْمَفْعُولُ، وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ وَأَنَّ الْمَعْنَى: وَمَا يُخَادِعُهُمْ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ قَالَ: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْدَعُ نَفْسَهُ، بَلْ نَفْسُهُ هِيَ الَّتِي تَخْدَعُهُ وَتُسَوِّلُ لَهُ وَتَأْمُرُهُ بِالسُّوءِ. وَأَوْرَدَ أَشْيَاءً مِمَّا قَلَبَتْهُ الْعَرَبُ، وَلِلنَّحْوِيِّينَ فِي الْقَلْبِ مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ وَالشِّعْرِ اتِّسَاعًا وَاتِّكَالًا عَلَى فَهْمِ الْمَعْنَى. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ وَيَجُوزُ فِي الشِّعْرِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا، وَكَانَ هَذَا الَّذِي ادَّعَى الْقَلْبَ لَمَّا رَأَى قَوْلَهُمْ: مَنَّتْكَ نَفْسُكَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ [1] تَخَيَّلَ أَنَّ الْمُمَنِّيَ وَالْمُسَوِّلَ غَيْرُ الْمُمَنَّى وَالْمُسَوَّلِ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَى مَا تَخَيَّلَ، بَلِ الْفَاعِلُ هُنَا هُوَ الْمَفْعُولُ. أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: أَحَبَّ زَيْدٌ نَفْسَهُ، وَعَظَّمَ زَيْدٌ نَفْسَهُ؟ فَلَا يُتَخَيَّلُ هُنَا تَبَايُنُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ، وَأَمَّا الْمَدْلُولُ فَهُوَ وَاحِدٌ. وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا دُونَ قَلْبٍ، فَأَيُّ حَاجَةٍ تَدْعُو إِلَيْهِ هَذَا؟ مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّهَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ.
وَمَنْ قَرَأَ: وَمَا يُخَادِعُونَ أَوْ يَخْدَعُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، فَانْتِصَابُ مَا بَعْدَ إِلَّا عَلَى مَا انْتُصِبَ عَلَيْهِ زَيْدٌ غُبِنَ رَأْيُهُ، إِمَّا عَلَى التَّمْيِيزِ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَإِمَّا عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى مَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ، وَإِمَّا عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ، أَيْ: فِي أَنْفُسِهِمْ، أَوْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ ضَمَّنَ الْفِعْلَ مَعْنَى يَنْتَقِضُونَ وَيَسْتَلِبُونَ، فَيَنْتَصِبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، كَمَا ضَمَّنَ الرَّفَثَ مَعْنَى الْإِفْضَاءَ فَعُدِّي بِإِلَى فِي قَوْلِهِ: الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [2] ، وَلَا يُقَالُ رَفَثَ إِلَى كَذَا، وَكَمَا ضَمَّنَ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى [3] ، مَعْنَى أَجْذِبُكَ، وَلَا يُقَالُ: أَلَا هَلْ لَكَ فِي كَذَا. وَفِي قِرَاءَةٍ: وَمَا يَخْدَعُونَ، فَالتَّشْدِيدُ إِمَّا لِلتَّكْثِيرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاعِلَيْنِ أَوْ للمبالغة في

[1] سورة يوسف: 12/ 18 و 83.
[2] سورة البقرة: 2/ 187.
[3] سورة النازعات: 79/ 18.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 94
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست