responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 659
وَقَالَ رُوَيْمٌ: هُوَ ارْتِفَاعُ عَمَلِكَ عَنِ الرُّؤْيَةِ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ الْمُرْعَشِيُّ: أَنْ تَسْتَوِيَ أَفْعَالُ الْعَبْدِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. وَقَالَ أَبُو يَعْقُوبَ الْمَكْفُوفُ: أَنْ يَكْتُمَ الْعَبْدُ حَسَنَاتِهِ، كَمَا يَكْتُمُ سَيِّئَاتِهِ.
وَقَالَ سَهْلٌ: هُوَ الْإِفْلَاسُ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى احْتِقَارِ الْعَمَلِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ:
لِلْمُرَائِي ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ: يَكْسَلُ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ، وَيَنْشَطُ إِذَا كَانَ فِي النَّاسِ، وَيَزِيدُ فِي الْعَمَلِ إِذَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَهُ عَلَى وَجْهِ الشَّفَقَةِ وَالنَّصِيحَةِ فِي الدِّينِ، لِيُنَبَّهُوا عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمُجَادَلَةَ مِنْكُمْ لَيْسَتْ وَاقِعَةً مَوْقِعَ الصِّحَّةِ، وَلَا هِيَ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ. وَلَيْسَ مَقْصُودُنَا بِهَذَا التَّنْبِيهِ دَفْعَ ضَرَرٍ مِنْكُمْ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُنَا نُصْحُكُمْ وَإِرْشَادُكُمْ إِلَى تَخْلِيصِ اعْتِقَادِكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَأَنْ تُخْلِصُوا كَمَا أَخْلَصْنَا، فَنَكُونَ سَوَاءً فِي ذَلِكَ.
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ: أَمْ تَقُولُونَ بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ. فَأَمَّا قِرَاءَةُ التَّاءِ، فيحتمل أَمْ فِيهِ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ فِيهِ أَمْ مُتَّصِلَةً، فَالِاسْتِفْهَامُ عَنْ وُقُوعِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: الْمُحَاجَّةُ فِي اللَّهِ، وَالِادِّعَاءُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَهُودًا وَنَصَارَى، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ صَحِبَهُ الْإِنْكَارُ وَالتَّقْرِيعُ وَالتَّوْبِيخُ، لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُسْتَفْهِمِ عَنْهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ أَمْ فِيهِ مُنْقَطِعَةً، فَتُقَدَّرُ بِبَلْ وَالْهَمْزَةِ، التَّقْدِيرُ: بَلْ أَتَقُولُونَ، فَأَضْرَبَ عَنِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ، وَانْتَقَلَ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ اللَّاحِقَةِ، عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ أَيْضًا، أَيْ أَنَّ نِسْبَةَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِإِبْرَاهِيمَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ، لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ، بِشَهَادَةِ الْقَوْلِ الصِّدْقِ الَّذِي أَتَى بِهِ الصَّادِقُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا [1] ، وَبِشَهَادَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْحَنِيفِيَّةِ، وَبِشَهَادَةِ أَنَّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ لِمَنِ اقْتَفَى طَرِيقَةَ عِيسَى، وَبِأَنَّ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْيَاءِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَمْ فِيهَا مُنْقَطِعَةٌ.
وَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ، لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: أَتَقُومُ أَمْ يَقُومُ عَمْرٌو؟ فَالْمَعْنَى: أَيَكُونُ هَذَا أَمْ هَذَا؟ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذَا الْمِثَالُ يَعْنِي: أَتَقُومُ أَمْ يَقُومُ عَمْرٌو؟ غَيْرُ جَيِّدٍ، لِأَنَّ الْقَائِلَ فِيهِ وَاحِدٌ، وَالْمُخَاطَبَ وَاحِدٌ، وَالْقَوْلَ فِي الْآيَةِ مِنَ اثْنَيْنِ، وَالْمُخَاطَبَ اثنان غير أن، وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ مُعَادَلَةُ أَمْ لِلْأَلِفِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَعْنَوِيِّ، كَانَ مَعْنَى قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا، أَيُحَاجُّونَ يَا مُحَمَّدُ، أَمْ يقولون؟ انتهى. ومعنى بقوله:
لِأَنَّ الْقَائِلَ فِيهِ وَاحِدٌ، يَعْنِي فِي الْمِثَالِ الَّذِي هُوَ: أَيَقُومُ أَمْ يَقُومُ عمرو؟ فالناطق بهاتين

[1] سورة آل عمران: 3/ 67.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 659
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست